للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثلاثة يلزمه الوفاء به، وأما ما عداها من المساجد، فلا يُشرع النذر بالمشي إليها؛ للحديث المتّفق عليه: "لا تشدّ الرحال، إلَّا إلى ثلاثة مساجد … " الحديث، كما تقدّم، فيكون النذر إلى غيرها غير طاعة، فلا يلزم الوفاء بنذره، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ)؛ أي: بالمشي مع العجز، والجارّ والمجرور متعلّق بـ "غنيّ"، و"تعذب" مصدر مضاف إلى اسم الإشارة، وهو من إضافة المصدر إلى مفعوله، و"نفسُهُ" مرفوع على الفاعليّة، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ جَرِّهِ الَّذِي أُضيفَ لَهْ … كَمِّلْ بِنَصْبٍ أَوْ بِرَفْعٍ عَمَلَهْ

وقوله: (لَغَنِيُّ) خبر "إنّ قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغنيّ أي: لم يكلفه بذلك، ولم يُحْوِجه إليه؛ لأنه غير مستطيع، وفي اللفظ الآخر: "إن الله لغني عنك، وعن نذرك أي: عن مشيك الذي لا تستطيعه، لا أنَّ أصل النذر يسقط عنه؛ فإنَّه قد أمره بالرُّكوب، قال: وخرجت هذه العبارة على ما تعارفناه بيننا، من أنَّ من استغنى عن شيء لم يلتفت إليه، ولم يعبأ به، وكيف لا، والله تعالى هو الغني الحميد، وكل الموجودات مفتقرة إليه افتقار ضعفاء العبيد. انتهى (١).

(وَأَمَرَهُ) -صلى الله عليه وسلم- (أَنْ يَرْكَبَ)، وفي رواية للنسائيّ: "مُرْهُ، فَلْيَرْكَبْ"، زاد أحمد عن الأنصاريّ، عن حميد: "فركب"، قال في "الفتح": وإنما لم يأمره -صلى الله عليه وسلم- بالوفاء بالنذر، إما لأنَّ الحجِّ راكبًا أفضل من الحجِّ ماشيًا، فنذر المشي يقتضي التزام ترك الأفضل، فلا يجب الوفاء به، أو لكونه عجز عن الوفاء بنذره، وهذا هو الأظهر.

انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أنس -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.


(١) "المفهم" ٤/ ٦١٦ - ٦١٧.
(٢) "الفتح" ٥/ ١٧٢، كتاب "جزاء الصيد" رقم (١٨٦٥).