سكين"، رواه أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، وحسّنه الترمذيّ مع الغرابة، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
مع أن بعض العلماء يؤوّل هذا على المدح، وقال: لاجتهاده في طلب الحقّ، والظاهر أنه على الذمّ؛ لعجزه عن القيام، وعدم المُعِين له على الحقّ.
ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرّ -رضي الله عنه-: "لا تأمّرنّ على اثنين"، رواه مسلم.
ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم ستحرصون على الإمارة، وإنها ستكون ندامة، وحسرة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة" رواه البخاريّ.
قال العلامة ابن الملقّن رحمه الله بعد ذكر ما تقدّم: ومن أصحابنا من قال: القضاء من أعلى القربات، ومنهم إمام الحرمين، وابن الصبّاغ، والأحاديث المحذّرة منه محمولة على الخائن، أو الجاهل، بدليل الحديث السالف: "القضاة ثلاثة … "، وقال ابن الصبّاغ: الأحاديث المحذّرة دالّة على عِظَم قدره حتى لا يُقدم عليه من لا يَثِق بنفسه، ويُحمَل حديث عبد الرحمن بن سَمُرة، وما في معناه، كحديث أبي موسى في "الصحيحين": "لن نستعمل في عملنا هذا من أراده"، على من سأل لمجرّد الرئاسة والنُّبْل، ومن استحبّه فهو لمن قصد به القربة، وبالغ إمام الحرمين وجماعة، فقالوا: القيام بفرض الكفاية أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى في قبول القربات من القيام بفرض العين، فإن فاعل فرض العين وتاركه يختصّ الثواب والعقاب به، وفاعل فرض الكفاية كافٍ نفسه، وسائر المخاطبين العقاب، وأمل أفضل الثواب.
وبالجملة فقد امتنع من الدخول فيه الشافعيّ رحمه الله حين استدعاه المأمون ليولّيه قضاء الشرق والغرب، واقتدى به الصدر الأول من أصحابه، حتى إن أبا عليّ بن خيران لَمّا طُلب للقضاء هَرَبَ، فخُتم على عقاره، وامتنع أيضًا أبو حنيفة رحمه الله حين استدعاه المنصور له، فضربه وحبسه، ثم أطلقه، وقيل: إن أبا حنيفة ولي القضاء بالرُّصافة أيّامًا، والشافعيّ وليه بنجران من بلاد اليمن أيّامًا، ولا يصحّ، ودخول معظم السلف من الصدر الأول فيه كان لعلمهم يقينًا أو ظنًّا بالقيام به لله، لا لشيء من حظوظ الدنيا، ووجود من يعينهم على الحقّ، وامتناعُ الصدر الثاني والثالث؛ لِمَا فيه من الخطر، وعدم براءة الذمّة فيه، وتحيّلوا على الامتناع منه بأسباب توهم الجنون، أو قلّة المروءة، وارتكبوا