للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مزيته لائحةً عليهم، وسابقته واضحة بينهم، وامتيازه عن جمهورهم، كَشِيَة الأبلق.

قال القرطبيّ: وقد كَرِهَ بعض العلماء رفع الصوت عند قبره - صلى الله عليه وسلم -، وكَرِهَ بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء؛ تشريفًا لهم؛ إذ هم ورثة الأنبياء. انتهى.

وقد كره العلماء أيضًا رفع الصوت على حديثه - رضي الله عنه -، فكانوا يمنعون منه، ويخرجون من يفعل ذلك من المجلس، ويروى ذلك عن الإمام مالك، وكان يقرأ الآية المذكورة، فمن رفع صوته عند حديثه، فكأنما رفع صوته فوق صوته - صلى الله عليه وسلم - (١).

قال القاضي أبو بكر بن العربي: حرمةُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ميتًا كحرمته حيًّا، وكلامه المأثور بعد موته في الرّفْعَة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قُرِئ كلامه وَجَب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يُعْرِض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به، وقد نَبّه الله سبحانه وتعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤]، وكلامه - صلى الله عليه وسلم - من الوحي، وله من الأحكام مثل ما للقرآن، إلا معاني مستثناة بيانها في كتب الفقه. انتهى. وهو استنباط نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

٧ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ: ليس الغرض برفع الصوت، ولا الجهر ما يُقْصَد به الاستخفاف، والاستهانة؛ لأن ذلك كُفْرٌ، والمخاطبون مؤمنون، وإنما الغرض صوتٌ هو في نفسه، والمسموع من جَرْسِه (٢) غيرُ مناسب لما يُهاب به العظماء، ويُوَقَّر الكبراء، فَيَتَكَلَّف الْغَضَّ منه، ورَدَّه إلى حَدٍّ يميل به إلى ما يَستبين فيه المأمور به، من التعزير والتوقير، ولم يتناول النهي أيضًا رفعَ الصوت الذي يتأذى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ما كان منهم في حرب، أو مُجادلة معاند، أو إرهاب عدوّ، أو ما أشبه ذلك، ففي الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال


(١) راجع: "شرحي" على "ألفيّة الحديث" للسيوطيّ ٢/ ١١٦.
(٢) "الْجِرْس" بفتح الجيم، وكسرها: الصوت.