للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كون هذه الخصلة مذمومةً شرعًا، وكان -رضي الله عنه- بعد ذلك يساوي غلامه في الملبوس وغيره؛ أخذًا بالأحوط، وإن كان لفظ الحديث يقتضي اشتراط المواساة، لا المساواة، أفاده في "الفتح" (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فيك جاهلية"؛ أي: هذا التعيير من أخلاق الجاهلية، ففيك خُلُقٌ من أخلاقهم، وينبغي للمسلم أن لا يكون فيه شيء من أخلاقهم، ففيه النهي عن التعيير، وتنقيص الآباء والأمهات، وأنه من أخلاق الجاهلية. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقوله: "إنك امرؤ فيك جاهلية"؛ أي: خصلة من خصالهم؛ يعني بها تعييره بأمه، فإن الجاهلية كانوا يعيِّرون بالآباء والأمهات، وذلك شيء أذهبه الإسلام بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله أذهب عنكم عُبِّيَّةَ (٣) الجاهلية، وفخرها بالآباء، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خُلق من تراب" (٤).

(قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمُّهُ)؛ يعني: أنه إنما عيّره بأمه لأن عادة الناس جارية على ذلك، فمن سبّ الناس سبّ المسبوب أباه وأمه، فجريت على العادة، وهذا اعتذار من أبي ذرّ -رضي الله عنه- من وقوعه في هذا المحذور.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: معنى كلام أبي ذرّ -رضي الله عنه-: الاعتذار عن سبّه أمَّ ذلك الإنسان؛ يعني أنه سبّني، ومن سبّ إنسانًا سبّ ذلك الإنسان أبا السابّ وأمه،


(١) راجع: "الفتح" ١/ ١٦٢، كتاب "الإيمان" رقم (٣٠).
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ١٣٢ - ١٣٣.
(٣) "الْعُبَيّةُ" بالضمّ، والكسر: الكبر، والفخر.
(٤) أخرجه أبو داود (٥١١٦)، والترمذيّ (٣٩٥٥)، ولفظ أبي داود: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد أذهب عنكم عُبّيّة الجاهلية، وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، لَيَدَعَنّ رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فَحْمٌ من فحم جهنم، أو ليكونُنّ أهون على الله من الْجِعلان التي تدفع بأنفها النتن"، وإسناد أبي داود حسن، وقد حسّن الحديث الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-.