للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأنكر عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقال: هذا من أخلاق الجاهلية، وإنما يباح للمسبوب أن يسب الساب نفسه بقدر ما سبّه، ولا يتعرض لأبيه، ولا لأمه. انتهى (١).

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ) قال في "العمدة": "امرؤ" من نوادر الكلمات؛ إذ حركة عين الكلمة تابعة للامها في الأحوال الثلاث، وفي "العباب": المرء: الرجل، يقال: هذا امرؤ صالح، ورأيت مرأ صالحًا، ومررت بمرء صالح، وضم الميم في الأحوال الثلاث لغةٌ، وهما مرآن صالحان، ولا يجمع على لفظه، وتقول هذا مَرْءٌ بالرفع، ورأيت مَرْأً بالنصب، ومررت بِمَرء بالجرّ، معربًا من مكانين، وتقول: هذا امْرَأٌ بفتح الراء، وكذلك رأيت امرَأً، ومررت بامرَئ بفتح الراءآت، وبعضهم يقول: هذه مَرْأَةٌ صالحةٌ، ومَرَةٌ أيضًا بترك الهمزة، وتحريك الراء بحركتها، فإن جئت بألف الوصل كان فيه أيضًا ثلاث لغات: فتح الراء على كل حال، حكاها الفرّاء، وضمّها على كل حال، وإعرابها على كل حال، وتقول: هذا امرُؤٌ، ورأيت امرَأً، ومررت بامرِئٍ معربًا من مكانين، وهذه امرَأَةٌ مفتوحة الراء على كل حال، وإعرابها على كل حال، فإن صُغرت أَسقطتَ ألف الوصل، فقلت: مُرَيءٌ، ومُرَيْئَةٌ. انتهى (٢).

(فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) كرّره تأكيدًا وتشديدًا (هُمْ)؛ أي: العبيد، أو الخدم، حتى يدخل من ليس في الرق منهم، وقرينة قوله: "تحت أيديكم" ترشد إليه، قاله في "الفتح" (٣). (إِخْوَانُكُمْ) فيه مجاز عن مطلق القرابة؛ لأن الكل أولاد آدم -عليه السلام-، أو عن أخوّة الإسلام، والمماليك الكفرة إما أن نجعلهم في هذا الحكم تابعين للمماليك المؤمنين، أو نخصّص هذا الحكم بالمؤمنين (٤)، والأول أقرب، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: الضمير في "هم إخوانكم" يعود إلى المماليك، والأمر بإطعامهم مما يأكل السيد، وإلباسهم مما يلبس محمول على الاستحباب، لا على الإيجاب، وهذا بإجماع المسلمين، وأما فعل أبي ذرّ -رضي الله عنه-


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٣٣.
(٢) "عمدة القاري" ١/ ٣٢٦ - ٣٢٧.
(٣) "الفتح" ١٣/ ٦٠٤، كتاب "الأدب" رقم (٦٠٥١).
(٤) "عمدة القاري" ١/ ٣٢٩.