للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في كسوة غلامه مثل كسوته، فعملٌ بالمستحبّ، وإنما يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف، بحسب البلدان والأشخاص، سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه، أو دونه، أو فوقه، حتى لو قَتَّر السيدُ على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله، إما زهدًا، وإما شُحًّا، لا يحل له التقتير على المملوك، وإلزامه، وموافقته، إلا برضاه، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيقه، فإن كلّفه ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره. انتهى (١).

(جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ)؛ أي: فيه مجاز عن القدرة، أو عن الملك (فَأَطْعِمُوهُمْ) بقطع الهمزة، من الإطعام (مِمَّا تَأْكُلُونَ) إنما قال: "مما تأكلون"، ولم يقل: مما تطعمون؛ رعايةَ للمطابقة، كما في قوله: "وألبسوهم مما تلبسون"؛ لأن الطعم يجيء بمعنى الذوق، يقال: طَعِمَ يَطْعَم، من باب تَعِب، طَعْمًا: إذا ذاق، أو أكل، قال الله تعالى: {وَمَنْ لم يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: ٢٤٩]؛ أي: من لم يذقه، فلو قال: مما تطعمون لتوهّم أنه يجب الإذاقة مما يذوقون، وذلك غير واجب.

وإنما لم يقل: فلتؤكلوهم مما تأكلون؛ إشارةً إلى أنه لا بدّ من إذاقته مما يأكل، وإن لم يشبعه من ذلك الأكل، أفاده في "العمدة" (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "فليطعمه مما يأكل"؛ أي: من جنس ما يأكل؛ للتبعيض الذي دلَّت عليه "من"، ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الآتي: "فإن لم يُجلسه معه، فليناوله لقمةً"، فالمراد المواساة، لا المساواة من كل جهة، لكن مَنْ أخذَ بالأكمل، كأبي ذرّ -رضي الله عنه- فعل المساواة، وهو الأفضل، فلا يستأثر المرء على عياله من ذلك، وإن كان جائزًا، وفي "الموطأ"، و"صحيح مسلم" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "للمملوك طعامه، وكسوته بالمعروف، ولا يكلَّف من العمل ما لا يطيق"، وهو يقتضي الردّ في ذلك إلى العُرف، فمن زاد عليه كان متطوعًا، وأما ما حكاه ابن بطال عن مالك أنه سئل عن حديث أبي ذرّ، فقال: كانوا يومئذٍ ليس لهم هذا القوت، واستحسنه، ففيه نظر لا يخفى؛ لأن


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٣٣.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ١/ ٣٢٩.