للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (قَلِيلًا) تفسير من الراوي، فهو مدرجٌ، تدلّ عليه رواية أبي داود بلفظ: "يعني: قليلًا".

(فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ)؛ أي: يد الخادم (مِنْهُ)؛ أي: من ذلك الطعام (أُكْلَةً، أَوْ أُكْلَتيْنِ") بضمّ الهمزة؛ أي: لقمة أو لقمتين، وأما الأَكْلة بالفتح، فهي المرّة من الأكل، ولا يناسب هنا، و"أو" للتقسيم بحسب حال الطعام، وحال الخادم.

وقوله: (قَالَ دَاوُدُ)؛ أي: ابن قيس الراوي عن موسى بن يسار، مفسِّرًا لقوله: "أُكلةً، أو أُكلتين" (يَعْني: لُقْمَةً، أَوْ لُقْمَتَيْنِ) قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "اللُّقْمة" -أي: بضمّ، فسكون- من الخبز: اسم لما يُلقَم في مرّة، كالْجُرْعة: اسم لما يُجْرَع في مرّة، ولَقِمْتُ الشيءَ لَقَمًا، من باب تَعِبَ، والْتَقَمته: أكلته بسُرْعة، ويُعدَّى بالهمزة والتضعيف، فيقال: لقّمته الطعامَ تلقيمًا، وألقمته إياه إِلْقَامًا، فتلقّمه تلقُّمًا. انتهى (١).

وفي رواية البخاريّ: "فإن لم يُجلسه معه، فليناوله أُكلةً، أو أُكلتين، أو لُقمة، أو لُقمتين، فإنه ولي حرّه، وعلاجه"، و"أو" الأُولى للتقسيم، كما مرّ آنفًا، والثانية للشكّ من الراوي.

وقوله: "فإنه وَليَ حَرَّه أي: عند الطبخ، "وعلاجه"؛ أي: عند تحصيل آلاته، وقبل وضع القِدْر على النار، ويؤخذ من هذا أن في معنى الطبّاخ حاملَ الطعام؛ لوجود المعنى فيه، وهو تعلُّق نفسه به، بل يؤخذ منه الاستحباب في مطلق خَدَمِ المرء ممن يعاني ذلك، وفي هذا تعليل الأمر المذكور، وإشارة إلى أن للعين حظًّا في المأكول، فينبغي صرفها بإطعام صاحبها من ذلك الطعام؛ لتَسْكُن نفسه، فيكون أَكَفَّ لشرّه.

قال المهلّب -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا الحديث يُفَسِّر حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه- في الأمر بالتسوية بين العبد وبين سيده في المطعم والكسوة، أنه على سبيل الحضّ والندب والتفضل، لا على سبيل الإيجاب على السيد؛ لأنه لم يُسَوِّه في هذا الحديث بسيّده في المؤاكلة، وجعل إلى السيد الخيار في إجلاسه للأكل معه أو تركه، ثم حضّه على أنه إن لم يأكل معه أن يُنيله من ذلك الطعام الذي تَعِبَ فيه


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٥٧.