للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: فيه من الفقه: أن المشترِكين في طلب حقّ ينبغي لهم أن يقدِّموا للكلام واحدًا منهم، وأحقهم لذلك أسنُّهم؛ إذا كانت له أهلية القيام بذلك، وهذا كما قال في الإمامة: "فإن كانوا في السُّنَّة سواءً، فأقدمهم سنًّا"، وقد قدَّمنا أنَّ كبر السنِّ لم يستحق التقديمَ إلا من حيث القِدَم في الإسلام، والسبقُ إليه، والعلمُ به، وممارسة أعماله وأحواله، والفقه فيه، ولو كان الشيخُ عَرِيًّا عن ذلك لاستحقّ التأخير، ولكان المتصفُ بذلك هو المستحق للتقديم - وإن كان شابًا -، وقد قدِم وفدٌ على عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -، فتقدَّم شابٌّ للكلام، فقال له عمرُ: كبِّر، كبِّر. فقال: يا أمير المؤمنين! لو كان الأمرُ بالسنِّ لكان هنا من هو أولى بالخلافة منك! فقال: تكلَّم. فتكلم فأبلغ، وأوجز. انتهى (١).

٩ - (ومنها): إنَّ فيه التأنيسَ، والتسليةَ لأولياء المقتول، وليس فيه أنه حكم على الغائبين (٢)؛ لأنه لم يتقدم صورة دعوى على غائب، وإنما وقع الإخبار بما وقع، فذكر لهم قصة الحكم على التقديرين، ومن ثم كتب إلى اليهود، بعد أن دار بينهم الكلام المذكور.

١٠ - (ومنها): أنه يؤخذ منه أن مجرد الدعوى، لا توجب إحضار الْمُدَّعَى عليه؛ لأن في إِحضاره مَشْغَلةً عن أشغاله، وتضييعًا لماله، من غير موجب ثابت لذلك، أما لو ظهر ما يُقَوِّي الدعوى، من شبهة ظاهرة، فهل يسوغ استحضار الخصم، أو لا؟ محل نظر، والراجح أن ذلك يختلف بالقرب والبعد، وشدة الضرر، وخفته.

١١ - (ومنها): أن فيه الاكتفاءَ بالمكاتبة، وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى اليهود في هذه الواقعة، وكتبوا إليه بالجواب.

١٢ - (ومنها): أن اليمين قبل توجيهها من الحاكم، لا أثر لها؛ لقول اليهود في جوابهم: والله ما قتلنا.


(١) "المفهم" ٥/ ٩.
(٢) قد تقدّم في الرقم (٥) أن المسألة فيها خلاف، فمن العلماء من يرى جواز الحكم على الغائب، ويستدلّ بهذا الحديث، واستدلاله ظاهر، فتأمله بالإنصاف.