للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما ذهب إليه مالك، وأحمد من طهارة الأبوال والأرواث هو الصحيح؛ لهذا الحديث، وأما قول الشافعيّة بالنجاسة فمما لا دليل عليه، وحملهم الحديث على أنه للتداوي، وهو يجوز بالنجاسات يردّه حديث: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم"، وهو حديث صحيح، فتبصَّر، والله تعالى أعلم.

قال: فإن قيل: كيف أَذِنَ لهم في شرب لبن الصدقة؟ فالجواب أن ألبانها للمحتاجين من المسلمين، وهؤلاء إذ ذاك منهم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": يَحْتَمِل أن تكون اللام في "فأمر لهم بلقاح" زائدة، أو للتعليل، أو لِشِبْهِ المُلك، أو للاختصاص، وليست للتمليك، وعند أبي عوانة، من رواية معاوية بن قُرّة التي سيُخرج مسلم إسنادها: "إنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى اللقاح، فقالوا: يا رسول الله، قد وقع هذا الوجع، فلو أذنت لنا، فخرجنا إلى الابل"، وللبخاريّ، من رواية وهيب، عن أيوب: "إنهم قالوا: يا رسول الله، ابْغِنا رِسْلًا"؛ أي: اطلب لنا لبنًا، قال: "ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذَّوْد"، وفي رواية أبي رجاء: "هذه نَعَمٌ لنا تخرج، فاخرجوا فيها".

و"اللقاح" - باللام المكسورة، والقاف، وآخره حاء مهملة -: النُّوق ذوات الألبان، واحدها لِقْحَةٌ - بكسر اللام، وإسكان القاف.

وقال أبو عمرو: يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر، ثم هي لبون.

قال الحافظ - رحمه الله -: وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وصَرّح بذلك في رواية البخاريّ في "المحاربين"، فقال: "إلا أن تَلْحَقوا بإبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، والجمع بين هذا، وقوله في رواية الباب: "إلى إبل الصدقة"، أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بلقاحه إلى المرعى طلبُ هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل، فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه، فخرجوا معه إلى الإبل، ففعلوا ما فعلوا، وظهر بذلك مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المدينة تنفي خبثها"، وقد تقدّم في "كتاب الحجّ".

وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه - صلى الله عليه وسلم - كانت خمس عشرة، وأنهم نحروا منها


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٥٤.