للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مات جوعًا، أو عطشًا، أو قطع يديه ورجليه، ورمى به من جبل أنَّه يُفعل به مثل ذلك، فإن مات، وإلا قتل.

وذهبت طائفة إلى خلاف ذلك كلِّه فقالوا: لا قود إلا بالسيف، وهو مذهب أبي حنيفة، والشعبيّ، والنخعيّ، واحتجوا على ذلك بما روي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا قود إلا بحديدة" (١)، وبالنهي عن المُثلة، والصحيح مذهب الجمهور؛ لِمَا تقدم، ولأن الحديث الذي هو: "لا قود إلا بحديدة" ضعيف عند المحدثين، لا يروى من طريق صحيح، ولأن النهي عن المُثلة نقول بموجبه إذا لم يمثِّل بالمقتول، فإذا مَثَّل به مثَّلنا به؛ لقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، ولحديث العُرَنِيِّين على ما تقدم.

وقد شذَّ بعضهم فقال فيمن قَتَل بخنق، أو بسمّ، أو تردية من جبل أو في بئر، أو بخشبة: أنه لا يُقتل، ولا يُقتص منه إلا إذا قتل بمحدَّد: حديد، أو حجر، أو خشب، أو كان معروفًا بالخنق والتردية، وهذا منه ردٌّ للكتاب، والسُّنّة، وإحداث ما لم يكن عليه أمر الأمَّة، وذريعةٌ إلى رفع القصاص الذي شرعه الله حياة للنفوس، فليس عنه مناصٌ. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح ما قاله الأولون، وهو أن يُقتصّ منه بمثل ما فعل بالمقتول.

والحاصل أن الحقّ كون القصاص بمثل ما قَتل به القاتل، إذا أمكن؛ لحديث الباب المتّفق عليه، ولظاهر الآية الكريمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} الآية، وأما الحديث الذي استدلّ به الفريق الثاني، وهو: "لا قود إلا بحديدة"، فإنه من مرسل الحسن البصريّ، وقد رُوي متصلًا من طرق لا تثبت، والصحيح أنه من مرسله، وهو ضعيف، وقد أجاد الشيخ الألباني - رحمه الله - في تخريجه في كتابه "إرواء الغليل"، فراجعه تستفد (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) حديث ضعيف.
(٢) "المفهم" ٥/ ٢٤ - ٢٥.
(٣) راجع: "إرواء الغليل" ٧/ ٢٨٥ - ٢٨٩ رقم الحديث (٢٢٢٨).