وجه، هل يسوغ القصاص في ذلك، أو يُعدل إلى عقوبته بجنس آخر، وهو التعزير؟ على قولين:
[أصحّهما]: أنه يُشرَع فيه القصاص، وهو مذهب الخلفاء الراشدين، ثبت ذلك عنهم، حكاه عنهم أحمد، وأبو إسحاق الْجُوزجانيّ في "المترجم"، ونصّ عليه الإمام أحمد في رواية الشالنجيّ، وغيره، قال شيخنا - يعني: ابن تيميّة -: وهو قول جمهور السلف.
[القول الثاني]: أنه لا يُشرع فيه القصاص، وهو المنقول عن الشافعيّ، ومالك، وأبي حنيفة، وقول المتأخّرين من أصحاب أحمد، حتى حَكَى بعضهم الإجماع على أنه لا قصاص فيه، وليس كما زَعَم، بل حكاية إجماع الصحابة على القصاص أقرب من حكاية الإجماع على منعه، فإنه ثبت عن الخلفاء الراشدين، ولا يُعلم لهم مخالف فيه.
ومأخذ القولين أن الله تعالى أمر بالعدل في ذلك، فبقي النظر في أَيِّ الأمرين أقرب إلى العدل؟.
فقال المانعون: المماثلة لا تمكن هنا، فكان العدل يقتضي العدول إلى جنس آخر، وهو التعزير، فإن القصاص لا يكون إلا مع المماثلة، ولهذا لا يجب في الجرح حتى ينتهي إلى حدّ، ولا في القطع إلا من منفصل؛ لِتُمْكِنَ الماثلة، فإذا تعذّرت في القطع، والجرح صرنا إلى الدية، فكذا في اللطمة، ونحوها لَمّا تعذّرت صرنا إلى التعزير.
قال المجوّزون: القصاص في ذلك أقرب إلى الكتاب، والسُّنّة، والقياس، والعدل من التعزير.
وأما الكتاب: فإن الله - سبحانه وتعالى - قال:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} الآية [الشورى: ٤٠]، وقال:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} الآية [البقرة: ١٩٤]، ومعلوم أن المماثلة مطلوبةٌ بحسب الامكان، واللطمة أشدّ مماثلة للّطمة، والضربة للضربة من التعزير لها، فإنه ضرب في غير الموضع، غير مماثل، لا في الصورة، ولا في المحلّ، ولا في القدر، فأنتم فررتم من تفاوت لا يمكن الاحتراز منه بين اللطمتين، فصرتم إلى أعظم تفاوتًا منه، بلا نصّ، ولا قياس.