ومحله فيما إذا أمكن التماثل، بأن يكون المكسور مضبوطًا، فَيُبْرَد من سن الجاني ما يقابله بالْمِبْرَد مثلًا، قال أبو داود في "السنن": قلت لأحمد: كيف؟ فقال: يُبرد، ومنهم من حمل الكسر في هذا الحديث على القلع، وهو بعيد من هذا السياق، قاله في "الفتح"(١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في القصاص بالسنّ:
قال العلامة ابن قُدامة - رحمه الله -: أجمع أهل العلم على القصاص في السن؛ للآية، وحديث الرُّبَيِّع، ولأن القصاص فيها ممكن؛ لأنها محدودة في نفسها، فوجب فيها القصاص، كالعين، وتؤخذ الصحيحة بالصحيحة، وتؤخذ المكسورة بالصحيحة؛ لأنه يأخذ بعض حقه، وهل يأخذ مع القصاص أرش الباقي؟ فيه وجهان.
قال: ولا يُقتَصّ إلَّا من سنّ من أَثْغَر؛ أي: سقطت رَوَاضعه، ثم نبتت، يقال لمن سقطت رواضعه: ثُغِرَ، فهو مثغور، فإذا نبتت قيل: أَثْغَر، واثَّغَرَ، لغتان، وإن قُلِع سن من لَمْ يُثغِر، لَمْ يُقتَصَّ من الجاني في الحال، وهذا قول مالك، والشافعيّ، وأصحاب الرأي؛ لأنها تعود بحكم العادة، فلا يقتص منها، كالشِّعر، ثم إن عاد بدل السن في محلها مثلها، على صفتها، فلا شيء على الجاني، كما لو قلع شعرة، ثم نبتت، وإن عادت مائلة عن محلها، أو متغيرة عن صفتها، كان عليه حكومة؛ لأنها لو لم تَعُد ضمن السن، فإذا عادت ناقصة، ضَمِن ما نقص منها بالحساب، ففي ثلثها ثلث ديتها، وفي ربعها ربعها، وعلى هذا، وإن عادت والدم يسيل، ففيها حكومة؛ لأنه نقصٌ حصل بفعله، وإن مضى زمن عودها، ولم تعد سئل أهل العلم بالطب، فإن قالوا: قد يُئِس من عودها، فالمجني عليه بالخيار بين القصاص أو دية السن، فإن مات المجني عليه قبل الإياس من عودها، فلا قصاص؛ لأن الاستحقاق له غير متحقق، فيكون ذلك شبهة في درئه، وتجب الدية؛ لأن القلع موجود، والعود مشكوك فيه. ويحتمل أنه إذا مات قبل مجيء وقت عودها، أن لا يجب شيء؛ لأن العادة عودها، فأشبه ما لو حلق شعره، فمات قبل نباته.
فاما إن قلع سن من قد أثغر وجب القصاص له في الحال؛ لأن الظاهر