للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شهرًا حرامًا، ويحرِّمون مكانه آخر بدله، حتى رُفِض تخصيصُ الأربعة بالتحريم أحيانًا، ووقع تحريم أربعة مطلقة من السَّنَة، فمعنى الحديث أن الأشهر رجعت إلى ما كانت عليه، وبطل النسيء.

وقال النوويّ - رحمه الله -: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان": إنما قيّده هذا التقييد مبالغةً في إيضاحه، وإزالةً للَّبْس عنه. قالوا: وقد كان بين بني مضر وبين ربيعة اختلاف في رجب، فكانت مضر تجعل رجبًا هذا الشهر المعروف الآن، وهو الذي بين جمادى وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى مضر، وقيل: لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم، وقيل: إن العرب كانت تسمي رجبًا وشعبان الرجبين، وقيل: كانت تسمي جمادى ورجبًا جمادين، وتسمي شعبان رجبًا. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "رجب شهر مُضَر الذي بين جمادى وشعبان": هذه مبالغةٌ في تعيين هذا الشهر؛ ليتميَّز عمَّا كانوا يتحكَّمون به من النَّساء، ومن تغيير أسماء المشهور، وقد تقدَّم: أنهم كانوا يُسقطون من السَّنة شهرًا، وينقلون اسم الشهر للَّذي بعده، حتى سَمُّوا شعبان رجبًا، ونسبة هذا الشهر لِمُضَر: إما لأنهم أول من عظَّمه، أو لأنهم كانوا أكثر العرب له تعظيمًا، واشتهر ذلك حتى عُرِفَ بهم. انتهى (٢).

وقال الخطابيّ - رحمه الله - (٣): كانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم، والتقديم والتأخير لأسباب تَعْرِض لهم، منها استعجال الحرب، فيستحلون الشهر الحرام، ثم يحرِّمون بدَلَه شهرًا غيره، فتتحول في ذلك شهور السنة، وتتبدل، فإذا أتى على ذلك عدة من السنين استدار الزمان، وعاد الأمر إلى أصله، فاتفق وقوع حجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك.

[تنبيه]: أبدى بعضهم لِمَا استقر عليه الحال من ترتيب هذه الأشهر الحرم مناسبةً لطيفةً، حاصلها أن للأشهر الحرم مزية على ما عداها، فناسب أن يبدأ بها العام، وأن تتوسطه، وأن تُختَم به، وإنما كان الختم بشهرين لوقوع الحج


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٦٨.
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٧.
(٣) راجع: "الأعلام" ٣/ ١٧٨٢.