للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ختام الأركان الأربع؛ لأنها تشتمل على عمل مال محض، وهو الزكاة، وعمل بدن حض، وذلك تارة يكون بالجوارح، وهو الصلاة، وتارة بالقلب، وهو الصوم؛ لأنه كَفٌّ عن المفطرات، وتارة عمل مركَّب من مال وبدن، وهو الحج، فلمّا جمعهما ناسب أن يكون له ضُعف ما لواحد منهما، فكان له من الأربعة الحرم شهران، والله أعلم، ذكره في "الفتح" (١).

(ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) قال النوويّ - رحمه الله -: هذا السؤال، والسكوت، والتفسير أراد به التفخيم، والتقرير، والتنبيه على عِظَم مرتبة هذا الشهر، والبلد، واليوم، وقولهم: "الله ورسوله أعلم" هذا من حُسن أدبهم، وأنهم عَلِمُوا أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، فعرفوا أنه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقوله: "أيُّ شهر هذا؟. . . إلخ"، وسكوته بعد كل واحد منها؛ كان ذلك منه استحضارًا لفهومهم، وتنبيهًا لغفلتهم، وتنويهًا بما يذكره لهم؛ حتى يُقبلوا عليه بكليتهم، ويستشعروا عظمة حرمة ما عنه يخبرهم، ولذلك قال بعد هذا: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا"، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء، وإغياءٌ في التنفير عن الوقوع فيها؛ لأنَّهم كانوا قد اعتادوا فِعْلها، واعتقدوا حِلّيتها، كما تقدَّم من بيان أحوالم، وقبح أفعالهم. انتهى (٣).

وقال في "الفتح" بعد ذكر كلام القرطبيّ المذكور ما نصّه: ومناط التشبيه في قوله: "كحرمة يومكم"، وما بعده ظهوره عند السامعين؛ لأن تحريم البلد، والشهر، واليوم، كان ثابتًا في نفوسهم، مقرّرًا عندهم، بخلاف الأنفس، والأموال، والأعراض، فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم، وماله، وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يَرِد كون المشبَّه به أخفض رتبة من المشبَّه؛ لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطَبون قبل تقرير الشرع.


(١) "الفتح" ١٠/ ١٧٦ - ١٧٧ رقم (٤٦٦٢).
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ١٦٩.
(٣) "المفهم" ٥/ ٤٧.