للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووقع في هذه الرواية جوابهم عن كل سؤال بقولهم: "الله ورسوله أعلم"، وذلك من حُسْن أدبهم؛ لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، وأنه ليس مراده مطلق الإخبار بما يعرفونه، ولهذا قال: "حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه"، ففيه إشارة إلى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع، ويستفاد منه الحُجة لمثبتي الحقائق الشرعية. انتهى ببعض تصرّف (١).

(قَالَ) أبو بكرة - رضي الله عنه - (فَسَكَتَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ ") بالنصب على أنه خبر "ليس"، وقع في بعض الروايات: "أليس ذو الحجة؟ "، وعليها فهو اسم "ليس"، وخبرها محذوف؛ أي: أليس ذو الحجة هو هذا الشهر؟، وقدّره ابن مالك - رحمه الله - ضميرًا متّصلًا، والتقدير: أليسه ذو الحجة؟ ومِنْ حذف الضمير المتّصل خبرًا لـ "كان"، وأخواتها قول الشاعر [من الطويل]:

فَأَطْعَمَنَا مِنْ لَحْمِهَا وَسَدِيفِهَا (٢) … شِوَاءً وَخَيْرُ الْخَيْرِ مَا كَانَ عَاجِلُهْ

أراد: وخير الخير الذي كأنه عاجلُه، ومثله قول الآخَر [من الطويل]:

أَخٌ مُخْلِصٌ وَافٍ صَبُورٌ مُحَافِظٌ … عَلَى الْوُدِّ وَالْعَهْدِ الَّذِي كَانَ مَالِكُ

أراد الذي كانه مالك، والذي وَصِلَته مبتدأ، وقد أخبر عنه بخمسة أخبار متقدَّمة، ومثل هذا البيت في الاكتفاء بنيّة الخبر عن لفظه قوله [من الكامل]:

شَهِدَتْ دَلَائِلُ جَمَّةٌ لَمْ أُحْصِهَا … أَنَّ الْمُفَضَّلَ لَنْ يَزَالَ عَتِيقُ

أراد: لن يزاله (٣).

(قُلْنَا: بَلَي، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ - قَالَ -: فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَليْسَ الْبَلْدَةَ؟ ") بالنصب أيضًا على أنه خبر "ليس"، ويحتمل الرفع على أنه اسمها، وخبرها محذوف؛ أي: أليست البلدة هي هذه؟، وفي رواية البخاريّ: "أليست بالبلدة الحرام؟ "، قال في "الفتح": كذا فيه بتأنيث البلدة، وتذكير الحرام، وذلك أن لفظ الحرام اضمَحَلّ منه معنى الوصفية، وصار اسمًا، قال الخطابيّ: يقال: إن البلدة اسم


(١) "الفتح" ١/ ٢٨١، كتاب "العلم" رقم (٦٧).
(٢) السديف: لحم السنام.
(٣) راجع: "شواهد التوضيح" ص ٣٥.