للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يعتبروه، ولم يفرقوا بين القليل والكثير، وقالوا بالقطع فيهما، ونُقِل في ذلك وجه في مذهب الشافعيّ.

والاستدلال بهذا الحديث على اعتبار النصاب ضعيف؛ فإنه حكاية فعل، ولا يلزم من القطع في هذا المقدار فعلًا عدم القطع فيما دونه نطقًا.

وأما المقدار: فإن الشافعيّ يرى أن النصاب ربع دينار؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - المتقدّم، ويُقَوَّم ما عدا الذهب بالذهب، وأبو حنيفة يقول: إن النصاب عشرة دراهم، ويقوَّم ما عدا الفضة بالفضة، ومالك يرى: أن النصاب ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم، وكلاهما أصل، ويقوَّم ما عداهما بالدرهم.

وكلا الحديثين يدل على خلاف مذهب أبي حنيفة، وأما هذا الحديث: فإن الشافعيّ بَيَّن أنه لا يخالف حديث عائشة - رضي الله عنها -، وأن الدينار كان اثني عشر درهمًا وربعه ثلاثة دراهم، أعني صرفه ولهذا قُوِّمت الدية باثني عشر ألفًا من الوَرِق، وألف دينار من الذهب، وهذا الحديث يُستَدَلّ به لمذهب مالك في أن الفضة أصل في التقويم، فإن المسروق لمّا كان غير الذهب والفضة، وقوّم بالفضة دون الذهب دَلَّ على أنها أصل في التقويم، وإلا كان الرجوع إلى الذهب - الذي هو الأصل - أولى وأوجب، عند من يرى التقويم به.

والحنفية في مثل هذا الحديث، وفيمن روى في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "القطع في ربع دينار فصاعدًا" يقولون - أو من قال منهم - في التأويل ما معناه: إن التقويم أمر ظنيّ تخمينيّ، فيجوز أن تكون قيمته عند عائشة ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، ويكون عند غيرها أكثر.

وقد ضعّف غيرهم هذا التأويل، وشنّعه عليهم بما معناه: إن عائشة لم تكن لِتُخْبِر بما يدل على مقدار ما يُقطَع فيه، إلا عن تحقيق؛ لِعِظَم أمر القطع. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الردّ على الحنفيّة من أبلغ الردود عليهم، يقطع دابر رأيهم الضعيف، ويا للعجب لو رأيت ما كتبه صاحب "تكملة فتح الملهم" (٢) تبعًا لمن سبقه في هذا المحلّ، وحشد من الآثار الضعيفة في مقابلة ما في


(١) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" ٤/ ٣٦٣ - ٣٦٦.
(٢) راجع: "تكملة فتح الملهم" ٢/ ٣٨٨ - ٣٩٣.