فقال بعضهم، كما تقدم عن ابن حزم، وغيره: هما قصتان مختلفتان، لامرأتين مختلفتين. وتُعُقّب بأن في كل من الطريقين أنهم استشفعوا بأسامة، وأنه شَفَع، وأنه قيل له:"لا تشفع في حدّ من حدود الله"، فيبعُد أنّ أسامة يسمع النهي المؤكد عن ذلك، ثم يعود إلى ذلك مرة أخرى، ولا سيما إن اتحد زمن القصتين، وأجاب ابن حزم بأنه يجوز أن يَنسَى، ويجوز أن يكون الزجر عن الشفاعة في حد السرقة تقدم، فظن أن الشفاعة في جحد العارية جائز، وأن لا حد فيه، فشفع، فأُجيب بأن فيه الحد أيضًا.
ولا يخفى ضعف الاحتمالين.
وحَكَى ابن المنذر، عن بعض العلماء، أن القصة لامرأة واحدة، استعارت، وجحدت، وسرقت، فقُطعت للسرقة، لا للعارية، قال: وبذلك نقول.
وقال الخطابي في "معالم السنن" - بعد أن حكى الخلاف، وأشار إلى ما حكاه ابن المنذر -: وإنما ذُكرت العارية، والجحد في هذه القصة، تعريفًا لها بخاص صفتها، إذ كانت تُكثر ذلك، كما عُرفت بأنها مخزومية، وكأنها لمّا كَثُر منها ذلك، ترقَّت إلى السرقة، وتجرّأت عليها، وتَلَقَّف هذا الجواب من الخطابي جماعة، منهم البيهقي، فقال: تُحمل رواية مَن ذَكَر جحد الجارية على تعريفها بذلك، والقطع على السرقة، وقال المنذريّ نحوه، ونقله المازريّ، ثم النوويّ عن العلماء.
وقال القرطبيّ: يترجح أن يدها قُطعت على السرقة، لا لأجل جحد العارية من أوجه:
[أحدها]: قوله في آخر الحديث الذي ذُكرت فيه العارية: "لو أن فاطمة سَرَقت"، فإن فيه دلالة قاطعة على أن المرأة قُطعت في السرقة، إذ لو كان قَطْعها لأجل الجحد، لكان ذِكر السرقة لاغيًا، ولقال: لو أن فاطمة جَحَدت العارية. وهذا قد أشار إليه الخطابي أيضًا.
[ثانيها]: لو كانت قُطعت في جحد العارية، لوجب قطع كل من جحد شيئًا، إذا ثبت عليه، ولو لم يكن بطريق العارية.
[ثالثها]: أنه عارض ذلك حديث: "ليس على خائن، ولا مُختلس، ولا