للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث: "ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع" صحيح، كما حقّقته في "شرح النسائيّ" (١).

قال في "الفتح": وقد أجمعوا على العمل به - أي: بحديث جابر المذكور - إلا من شذّ، فنقل ابن المنذر، عن إياس بن معاوية، أنه قال: المختلس يُقطع؛ كأنه ألحقه بالسارق؛ لاشتراكهما في الأخذ خُفْية، ولكنه خلاف ما صَرَّح به في الخبر، وإلا ما ذُكر من قطع جاحد العارية، وأجمعوا على أنه لا قطع على الخائن في غير ذلك، ولا على المنتهب، إلا إن كان قاطع طريق. والله أعلم.

وعارضه غيره ممن خالف، فقال ابن القيم الحنبلي: لا تنافي بين جحد العارية، وبين السرقة، فإن الجحد داخل في اسم السرقة، فيُجمع بين الروايتين بأن الذين قالوا: "سرقت" أطلقوا على الجحد سرقة. قال الحافظ: ولا يخفى بُعدُهُ.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: بُعد تسوية ابن القيّم بين الجحد والسرقة في المعنى مما لا يخفى، ومن أقوى ما يبطله: حديث النسائيّ، حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - استتاب تلك المرأة التي كانت تجحد العارية مرارًا، فإن فيه بيان أنهما ليسا بمعنى واحد؛ لأنه لا خلاف أن السرقة إذا ثبتت عند الإمام لا يجوز له استتابة السارق، وقد استتاب - صلى الله عليه وسلم - هذه المرأة، فلو كان الجحد سرقةً، لَمَا استتابها، بل أمر بقطعها، فعلمنا أن الجحد ليس بمعنى السرقة، وأن قطع هذه المرأة إنما هو لكونها سرقت، بعد أن اعتادت جحد العارية، فافهم. والله تعالى أعلم.

قال: والذي أجاب به الخطابي مردود؛ لأن الحكم المرتَّب على الوصف، معمول به، ويقوّيه أن لفظ الحديث، وترتيبه في إحدى الروايتين القطعَ على السرقة، وفي الأخرى على الجحد، على حدّ سواء، وترتيب الحكم على الوصف، يُشعِر بالعِلِّية، فكل من الروايتين دال، على أن علة القطع كلٌّ من السرقة وجحد العارية على انفراده، ويؤيد ذلك أن سياق حديث ابن عمر ليس فيه ذكر للسرقة، ولا للشفاعة من أسامة، وفيه التصريح بأنها قُطعت في ذلك.


(١) راجع: "ذخيرة العقبى" ٣٧/ ٩٨ - ١٠١.