(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في حدّ الزنا:
قال النوويّ - رحمه الله -: أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة، ورجم المحصَن، وهو الثيب، ولم يُخالف في هذا أحد من أهل القبلة، إلا ما حَكَى القاضي عياض وغيره عن الخوارج، وبعض المعتزلة؛ كالنظام، وأصحابه، فإنهم لم يقولوا بالرجم، واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم، فقالت طائفة: يجب الجمع بينهما، فيُجلد، ثم يرجم، وبه قال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، والحسن البصريّ، وإسحاق بن راهويه، وداود، وأهل الظاهر، وبعض أصحاب الشافعيّ، وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم وحده، وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث أنه يجب الجمع بينهما، إذا كان الزاني شيخًا ثيبًا، فإن كان شابًّا ثيبًا اقتُصِر على الرجم، قال: وهذا مذهب باطل، لا أصل له.
وحجة الجمهور أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اقتَصَر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة، منها قصة ماعز، وقصة المرأة الغامدية، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "واغدُ يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها".
قالوا: وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ، فإنه كان في أول الأمر.
قال: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في البكر: ونفيُ سنة، ففيه حجة للشافعيّ، والجماهير أنه يجب نفيه سنةً، رجلًا كان، أو امرأةً، وقال الحسن: لا يجب النفي، وقال مالك، والأوزاعيّ: لا نفي على النساء، ورُوي مثله عن عليّ - رضي الله عنه -، وقالوا: لأنها عورة، وفي نفيها تضييع لها، وتعريض لها للفتنة، ولهذا نُهيت عن المسافَرة إلا مع مَحْرَم.
وحجة الشافعيّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "البكر بالبكر جلد مائة، ونفيُ سنة".
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه الشافعيّ من ثبوت التغريب هو الأرجح؛ لقوة حجته، فتأمل، والله تعالى أعلم.
قال: وأما العبد والأمة ففيهما ثلاثة أقوال للشافعيّ:
أحدها: يُغَرَّب كل واحد منهما سنة؛ لظاهر الحديث، وبهذا قال سفيان الثوريّ، وأبو ثور، وداود، وابن جرير.