والثاني: يُغَرَّب نصف سنة؛ لقوله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}[النساء: ٢٥]، وهذا أصح الأقوال عند أصحابنا، وهذه الآية مخصِّصة لعموم الحديث، والصحيح عند الأصوليين جواز تخصيص السُّنَّة بالكتاب؛ لأنه إذا جاز تخصيص الكتاب بالكتاب، فتخصيص السُّنَّة به أولى.
والثالث: لا يُغَرَّب المملوك أصلًا، وبه قال الحسن البصريّ، وحماد، ومالك، وأحمد، وإسحاق؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الأَمة إذا زنت:"فليجلدها"، ولم يذكر النفي، ولأن نفيه يَضُرّ سيده، مع أنه لا جناية من سيده.
وأجاب أصحاب الشافعيّ عن حديث الأَمة إذا زنت أنه ليس فيه تعرُّض للنفي، والآية ظاهرة في وجوب النفي، فوجب العمل بها، وحَمْل الحديث على موافقتها. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي القول الثالث، وهو عدم تغريب المملوك هو الأرجح؛ لوضوح حجته، فتأمل، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: أجمعت الأمّة على أن البكر، وتعني به الذي لم يُحْصَن إذا زنى جُلِدَ الحدَّ، وجمهور العلماء من الخلفاء، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، على وجوب التغريب مع الحدّ إلا أبا حنيفة، وصاحبه محمد بن الحسن، فإنَّهما قالا: لا تغريب عليه، فإن النصّ الذي في الكتاب إنَّما هو على جلد الزاني، والتغريب زيادةٌ عليه، والزيادة على النصّ نسخٌ فَيَلْزم عليه نسخ القرآن القاطع بخبر الواحد، فإن التغريب إنما ثبت بخبر الواحد.
والجواب: أنّا لا نسلِّم: أن الزيادة على النص نسخٌ، بل زيادة حكم آخر مع الأصل، فلا تعارض، فلا نَسْخ، وقد بيَّنا ذلك في الأصول، سلَّمنا ذلك، لكن هذه الآية ليست بنصٍّ، بل عموم ظاهرٌ، فيخصَّص منها بعض الزناة بالتغريب، كما يخصَّص بعضهم بالرَّجم، ثمَّ يلزمهم ردُّ الحكم بالرجم فإنه زيادة على نصّ القرآن، وهو ثابت بأخبار الآحاد. ولو سلَّمنا: أن الرَّجم ثبت بالتواتر، فشَرْطه الذي هو الإحصان ثَبَت بأخبار الآحاد، ثم هُمْ قد نقضوا هذه