القاعدة التي تعدَّوها في مواضع كثيرةٍ بيَّناها في الأصول.
ومن أوضح ذلك: أنهم أجازوا الوضوء بالنبيذ معتمدين في ذلك على خبر ضعيف لم يصحّ عند أهل العلم بالحديث، وهو زيادة على ما نصّ عليه القرآن من استعمال الماء.
ثم القائلون بالتغريب اختلفوا فيه، فقال مالك: ينفى من مصر إلى الحجاز وشَغْب وأسوان ونحوها، ومن المدينة إلى خيبر وفدك، وكذلك فَعَل عمر بن عبد العزيز. وقد نفى عليٌّ - رضي الله عنه - من الكوفة إلى البصرة. قال مالك: ويحبس في البلد الذي نُفي إليه. وقيل: يُنفى إلى عمل غير عمل بلده. وقيل: إلى غير بلده. وقال الشافعي: أقلُّ ذلك يوم وليلة.
قلت: والحاصل: أنَّه ليس في ذلك حدٌّ محدود، وإنَّما هو بحسب ما يراه الإمام، فيختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص على حسب ما يراه أردع.
ثمَّ القائلون بالتغريب لم يختلفوا في تغريب الذكر الحرّ. واختلفوا في تغريب المرأة والعبد. فمن رأى التغريب فيهما؛ أخذ بعموم حديث التغريب، وحاصل ذلك: أن في إخراجها من بيتها إلى بلد آخر تعريضها لكشف عورتها، وتضييعٌ لحالها، وربما يكون ذلك سببًا لوقوعها فيما أُخرجت من سببه، وهو الفاحشة. ومآل هذا البحث تخصيص عموم التغريب بالمصلحة المشهود لها بالاعتبار، وهو مختلَف فيه، كما ذكرناه في الأصول. قال: وقوله: "والثيِّب بالثيِّب جلد مائة والرَّجم": الثيب هنا: هو المحصَن، وهو البالغ، العاقل، الحرّ، المسلم، الواطئ وطئًا مباحًا في عقد صحيح، هذه شروط الإحصان عند مالك، وقد اختُلف في بعضها. ولبيان ذلك موضع آخر. فإذا زنى المحصَن وجب الرَّجم باجماع المسلمين، ولا التفات لإنكار الخوارجِ والنّظَّامِ الرَّجْمَ، إمَّا لأنهم ليسوا بمسلمين عند من يكفِّرهم، وإما لأنَّهم لا يُعتدُّ بخلافهم؛ لظهور بدعتهم وفِسقهم على ما قرَّرنا في الأصول.
وهل يُجمع عليه الجلد والرَّجم؟ كما هو ظاهر هذا الحديث؛ وبه قال الحسن البصريّ، وإسحاق، وداود، وأهل الظاهر. وروي عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنَّه جمع ذلك على شراحة، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها