للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما الرابعة فإنه لم يرُدّه، بل استثبت فيه، وسأل عن عقله، لكن وقع في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند أبي داود، من طريق عبد الرحمن بن الصامت، ما يدل على أن الاستثبات فيه إنما وقع بعد الرابعة، ولفظه: "جاء الأسلميّ، فشَهِد على نفسه أنه أصاب امرأة حرامًا أربع مرات، كل ذلك يُعْرِض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل في الخامسة، فقال: تدري ما الزاني؟ " إلى آخره، والمراد بالخامسة: الصفة التي وقعت منه عند السؤال، والاستثبات؛ لأن صفة الإعراض وقعت أربع مرات، وصفة الإقبال عليه للسؤال وقع بعدها. انتهى (١).

(دَعَاهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ ") قال النوويّ - رحمه الله -: إنما قاله ليتحقق حاله، فإن الغالب أن الإنسان لا يُصِرّ على الإقرار بما يقتضي قتله من غير سؤال، مع أن له طريقًا إلى سقوط الإثم بالتوبة، وفي الرواية الأخرى: أنه سأل قومه عنه، فقالوا: ما نعلم به بأسًا، وهذا مبالغة في تحقق حاله، وفي صيانة دم المسلم، وفيه إشارة إلى أن إقرار المجنون باطلٌ، وأن الحدود لا تجب عليه، وهذا كله مجمَع عليه. انتهى (٢).

(قَالَ: لَا)، وفي البخاريّ: "وهل بك جنون؟ "، وفي حديث بريدة: "فسأل أبه جنون؟ فأُخبر بأنه ليس بمجنون"، وفي لفظ: "فأَرسل إلى قومه، فقالوا: ما نعلمه إلا وَفِيَّ العقل، من صالحينا"، وفي حديث أبي سعيد: "ثم سأل قومه، فقالوا: ما نعلم به بأسًا، إلا أنه أصاب شيئًا يَرى أنه لا يَخرج منه إلا أن يقام فيه الحد لله"، وفي مرسل أبي سعيد: "بعث إلى أهله، فقال: أشتكى؟ به جِنة؟ فقالوا: يا رسول الله إنه لصحيح".

ويُجْمَع بينهما بأنه سأله، ثم سأل عنه احتياطًا، فإن فائدة سؤاله أنه لو ادَّعَى الجنون، لكان في ذلك دفعٌ لإقامة الحد عليه، حتى يظهر خلاف دعواه، فلما أجاب بأنه لا جنون به، سأل عنه؛ لاحتمال أن يكون كذلك، ولا يُعْتَدّ بقوله.

وعند أبي داود، من طريق نعيم بن هَزّال: "قال: كان ماعز بن مالك يتيمًا في


(١) "الفتح" ١٥/ ٦١٠ - ٦١١، كتاب "الحدود" رقم (٦٨١٥).
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ١٩٣.