للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به، فارجموه"، ويؤيده القياس على عدد شهود الزنا دون غيره من الحدود، وهو قول الكوفيين، والراجح عند الحنابلة، وزاد ابن أبي ليلى، فاشترط أن تتعدد مجالس الإقرار، وهي رواية عن الحنفية، وتمسكوا بصورة الواقعة، لكن الروايات فيها اختلفت.

قال الحافظ: والذي يظهر أن المجالس تعددت، لكن لا بعدد الإقرار، فأكثر ما نُقِل في ذلك أنه أقر مرتين، ثم عاد من الغد، فأقر مرتين، كما تقدم بيانه.

وتأول الجمهور بأن ذلك وقع في قصة ماعز، وهي واقعة حال، فجاز أن يكون لزيادة الاستثبات، ويؤيد هذا الجواب ما تقدم في سياق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وما يأتي في قصة الغامدية حيث قالت لَمّا جاءت: "طهرني، فقال: ويحك ارجعي، فاستغفري، قالت: أراك تريد أن تردّدني كما رددت ماعزًا، إنها حبلى من الزنا"، فلم يؤخر إقامة الحدّ عليها إلا لكونها حبلى، فلما وَضعت أمَر برجمها، ولم يستفسرها مرة أخرى، ولا اعتبر تكرير إقرارها، ولا تعدد المجالس، وكذا وقع في قصّة العَسِيف الآتي أيضًا، حيث قال: "واغْدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها - وفيه -: فغدا عليها، فاعترفت، فرجمها"، ولم يذكر تعدد الاعتراف، ولا المجالس، وسيأتي قريبًا مع شرحه مستوفًى.

وأجابوا عن القياس المذكور بأن القتل لا يُقبل فيه إلا شاهدان، بخلاف سائر الأموال، فيُقبل فيها شاهد وامرأتان، فكان قياس ذلك أن يُشترط الإقرار بالقتل مرتين، وقد اتفقوا أنه يكفي فيه مرة.

[فإن قلت]: والاستدلال بمجرد عدم الذِّكر في قصة العسيف وغيره فيه نظر، فإن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع، فإذا ثبت كون العدد شرطًا فالسكوت عن ذِكره يَحْتَمِل أن يكون لِعِلم المأمور به، وأما قول الغامدية: تريد أن ترددني كما رددت ماعزًا، فيمكن التمسك به، لكن أجاب الطيبيّ بأن قولها: "إنها حبلى من الزنا"، فيه إشارة إلى أن حالها مغايرة لحال ماعز؛ لأنهما وإن اشتركا في الزنا، لكن العلة غير جامعة؛ لأن ماعزًا كان متمكنًا من