للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ) بُريدة بن الْحُصيب - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ) الأسلميّ - رضي الله عنه - (إِلَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ طَهِّرْنِي) قال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "طهرني" إلى آخره، ومثله في حديث الغامدية: "قالت: طَهِّرني، قال: ويحك ارجعي، فاستغفري الله، وتوبي إليه": هذا دليل على أن الحدّ يكفّر ذنب المعصية التي حُدَّ لها، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فمَن فَعل شيئًا من ذلك، فعوقب به في الدنيا، فهو كفارته"، ولا نَعلم في هذا خلافًا، وفي هذا الحديث دليل على سقوط إثم المعاصي الكبائر بالتوبة، وهو بإجماع المسلمين، إلا ما قدمناه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في توبة القاتل خاصّة، والله أعلم.

[فإن قيل]: فما بال ماعز، والغامدية لم يقنعا بالتوبة، وهي محصِّلة لغرضهما، وهو سقوط الإثم، بل أصرّا على الإقرار، واختارا الرجم؟.

[فالجواب]: أن تحصيل البراءة بالحدود، وسقوط الإثم متيقَّن على كل حال، لا سيما وإقامة الحدّ بأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأما التوبة فيُخاف أن لا تكون نَصُوحًا، وأن يُخِلّ بشيء من شروطها، فتبقى المعصية، وإثمها دائمًا عليه، فأرادا حصول البراءة بطريق متيقَّن، دون ما يتطرق إليه احتمال، والله أعلم (١).

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("ويحَكَ) قال الطيبيّ - رحمه الله -: "ويح" كلمة ترحّم، وتوجّع، تقال لمن وقع في هَلَكة لا يستحقّها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجّب، وهي منصوبة على المصدر، وقد تُرفع، وتضاف، ولا تُضاف، يقال: وَيْحَ زيدٍ، ووَيْحًا له، وويَحٌ له. انتهى (٢)، وقال النوويّ - رحمه الله -: ورَوَينا عن الحسن البصريّ قال: "ويح كلمة رحمة". انتهى (٣).

(ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ"، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ)؛ أي: غير زمان بعيد؛ كقوله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل: ٢٢]؛ أي: غير زمان بعيد؛


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٩٩.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥١٧.
(٣) "شرح النوويّ" ١١/ ١٩٩.