للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مزيدة المغفرة، وترقّي الدرجات. (قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً)؛ أي: من ذنبه هذا (لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ)؛ أي: جماعة كثيرة، فالتنوين للتكثير، والله تعالى أعلم، (لَوَسِعَتْهُمْ") بكسر السين؛ أي: لَكَفَتْهُم، وكفّرت خطايا جميعهم.

قال الفيّوميّ - رحمه الله -: وَسِعَ المكانُ القومَ، وَوَسِعَ المكانُ؛ أي: اتَّسَعَ، يتعدى، ولا يتعدى، قال النابغة [من الكامل]:

تَسَعُ البِلادُ إِذًا أَتَيْتُكَ زَائِرًا … وَإِذَا هَجَرْتُكَ ضَاقَ عَنِّيَ مَقْعَدِي

ووَسُعَ المكانُ بالضم: بمعنى اتَّسَعَ أيضًا، فهو وَاسِعٌ، من الأُولى، ووَسِيعٌ من الثانية.

قال: قيل: الأصل في المضارع الكسر، ولهذا حُذفت الواو؛ لوقوعها بين ياء مفتوحة، وكسرة، ثم فُتِحت بعد الحذف؛ لمكان حرف الحلق، ومثله يَهَبُ، ويَقَعُ، ويَدَعُ، ويَلَغُ، ويَطَأُ، ويَضَعُ، ويَلَعُ، ويَزَعُ الجيشَ؛ أي: يَحبِسه، والحذف في يَسَعُ، ويَطَأُ، ممّا ماضيه مكسور شاذّ؛ لأنهم قالوا فَعِلَ بالكسر مضارعه يَفْعَل بالفتح، واستثنوا أفعالًا ليست هذه منها. انتهى كلام الفيّوميّ - رحمه الله - (١).

وقال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "لوسعتهم"؛ أي: لكفتهم سعةً؛ يعني: توبة تستوجب مغفرةً ورحمةً تستوعبان جماعةً كثيرةً من الخلق، يدلّ عليه قوله في الغامديّة: "لقد تابت توبةً لو تابعها صاحب مكس لغُفر له"، قال:

[فإن قلت]: فإذن ما فائدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "استغفروا لماعز"؟.

[قلت]: فائدة قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} إلى قوله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} الآية [النصر: ١ - ٣]، وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} الآية [الفتح: ١ - ٢]، فإن الثاني طلب مزيد الغفران، وما يستدعيه من الترقّي في المقامات، والثبات عليها، ومنه قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} الآية [هود: ٣]. انتهى كلام الطيبيّ - رحمه الله - (٢).


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٥٩.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥١٧.