للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويَحْتَمِل أن يراد بكتاب الله: الآية التي نُسِخت تلاوتها، وهي: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما"، وبهذا أجاب البيضاويّ، ويبقى عليه التغريب.

وقيل: المراد بكتاب الله: ما فيه من النهي عن أكل المال بالباطل؛ لأن خصمه كان أخذ منه الغنم، والوليدة بغير حقّ، فلذلك قال: "الغنم، والوليدة رَدّ عليك".

قال الحافظ - رحمه الله -: والذي يترجح أن المراد بكتاب الله: ما يتعلق بجميع أفراد القصّة، مما وقع به الجواب الآتي ذِكره، والعلم عند الله تعالى. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) وفي رواية للبخاريّ: "فقام خصمه، وكان أفقه منه"، في رواية مالك: "فقال الآخر، وهو أفقههما".

قال القرطبيّ - رحمه الله -: إنما فَضَّل الراوي الثاني على الأول بالفقه؛ لأنَّ الثاني ترفّق، ولم يستعجل، ثمَّ تلطَّف بالاستئذان في القول، بخلاف الأوَّل، فإنَّه استعجل، وأقسم على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في شيء كان يفعله بغير يمين، ولم يستأذن، وهذا كله من جفاء الأعراب، فكان للثاني عليه مزيَّة في الفهم والفقه، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك؛ لأنَّ الثاني وَصَفَ القضية بكمالها، وأجاد سياقتها. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قال العلماء: يجوز أن يكون أراد أنه بالإضافة أكثر فقهًا منه، ويَحْتَمِل أن المراد: أفقه منه في هذه القضية؛ لِوَصْفه إياها على وجهها، ويَحْتَمِل أنه لأدبه، واستئذانه في الكلام، وحَذَره من الوقوع في النهي في قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١] بخلاف خطاب الأول في قوله: أنشدك الله إلى آخره، فإنه من جفاء الأعراب. انتهى (٣).

وقال الحافظ العراقيّ - رحمه الله - في "شرح الترمذيّ": يَحْتَمِل أن يكون الراوي كان عارفًا بهما قبل أن يتحاكما، فوصَفَ الثاني بأنه أفقه من الأول، إما مطلقًا، وإما في هذه القصة الخاصة، أو استدَلَّ بحسن أدبه، في استئذانه،


(١) "الفتح" ١٥/ ٦٣٥ - ٦٣٦، كتاب "الحدود" رقم (٦٨٢٧).
(٢) "المفهم" ٥/ ١٠٤.
(٣) "شرح النوويّ" ١١/ ٢٠٦.