الانفصال عن هذا، بأن أُنيسًا بُعث حاكمًا، فاستوفى شروط الحكم، ثم استأذن في رجمها، فأَذِن له في رجمها، وكيف يُتصور من الصورة المذكورة إقامة الشهادة عليها، من غير تقدم دعوى عليها، ولا على وكيلها، مع حضورها في البلد، غير متوارية؟ إلا أن يقال: إنها شهادة حِسْبة، ويجاب بأنه لم يقع هناك صيغة الشهادة المشروطة في ذلك.
٢١ - (ومنها): أنه استُدِلّ به على جواز الحكم بإقرار الجاني، من غير ضبط بشهادة عليه، ولكنها واقعة عَيْن، فَيَحْتَمِل أن يكون أنيس أُشهد قبل رجمها، قال عياض: احتج قوم بجواز حكم الحاكم في الحدود وغيرها، بما أقر به الخصم عنده، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال أبو ثور، وأبى ذلك الجمهور، والخلاف في غير الحدود أقوى، قال: وقصة أنيس يطرقها احتمال معنى الإعذار كما مضى، وأن قوله:"فارجُمْها"؛ أي: بعد إعلامي، أو أنه فَوَّض الأمر إليه، فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقولهم تُحْكَم، وقد دل قوله:"فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرُجمت"، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، هو الذي حَكَم فيها بعدَ أن أعلمه أنيس باعترافها، كذا قال، والذي يظهر أن أنيسًا لَمّا اعترفت أعلم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبالغ في الاستثبات، مع كونه كان عَلّق له رجمها على اعترافها.
٢٢ - (ومنها): أنه استدل به على أن حضور الإمام الرجم ليس شرطًا.
وتُعُقّب باحتمال أن أنيسًا كان حاكمًا، وقد حضر، بل باشر الرجم؛ لظاهر قوله:"فرجمها".
٢٣ - (ومنها): أن فيه تركَ الجمع بين الجلد والتغريب.
٢٤ - (ومنها): أن فيه الاكتفاءَ بالاعتراف بالمرة الواحدة؛ لأنه لم يُنقل أن المرأة تكرر اعترافها، والاكتفاء بالرجم من غير جَلْد؛ لأنه لم يُنقل في قصتها أيضًا، وفيه نظر؛ لأن الفعل لا عموم له، فالترك أولى.
٢٥ - (ومنها): أن فيه جوازَ استئجار الحرّ، وجواز إجازة الأب ولده الصغير لمن يستخدمه، إذا احتاج لذلك.
٢٦ - (ومنها): أنه استُدلّ به على صحة دعوى الأب لمحجوره، ولو كان بالغًا؛ لكون الولد كان حاضرًا، ولم يتكلم إلا أبوه.