للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومنه قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤]؛ أي: وتحرم عليكم المتزوجات، وأما أَحْصَنَتِ المرأة فرجها: إذا عَفَّت، فهي مُحْصِنَةٌ بالفتح والكسر أيضًا، وقرئ بذلك في السبعة، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] والمراد: الحرائر العفيفات، وقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥]، والمراد: الحرائر أيضًا. انتهي (١).

(فَإِنَّ) بالفاء التعليليّة؛ أي: لأن (أَمَةً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) لا يعُرف اسمها (٢).

قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت"، كذا جاء في كتاب مسلم، وفي كتاب أبي داود: "فَجَرت جارية لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، وظاهره: أن هذه الجارية كانت لبعض عشيرته. وهذه الزيادة أحسن من رواية مسلم، وأليق بحال من ينتسب لحضرة بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وملكه، استصحابًا لِمَا شهد الله تعالى به من الطهارة لذلك الجناب الكريم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: ٣٣]، وكيف يليق بمن كان في مثل ذلك البيت الكريم، وبمن صحَّ له ذلك الملك الشريف أن تقع منه فاحشة الزنى، هذا والله من البعد على الغاية القصوى، فإن العبد من طينة سيِّده. ألا ترى أنَّه لمَّا كَثَّر المنافقون على مارية في ابن عمها؛ الذي كان يزورها، فبعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عليّ بن أبي طالب ليقتله، فدخل عليه، فلما رآه كشف عن فرجه، فإذا هو أَجَبُّ، فقرأ عليٌّ - رضي الله عنه -: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، هذا كله مع احتمال أن يراد بآل محمد نَفْسُه، كما قدمنا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم صلِّ على آل أبي أوفى"، وفي قوله: "لقد أوتيتْ مزمارًا من مزامير آل داود"، وتكون هذه الأمة من الأَمَة الْمُتخذات لنخدمة والتصرف، ولعلَّها قريبة عهد بالجاهلية، لكن الأوَّل ألْيَق وأسلم.،. والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

(زَنَتْ، فَأَمَرَنِي أَنْ أجْلِدَهَا) بكسر اللام، من باب ضرب، قال


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٣٩.
(٢) راجع: "تنبيه المعلم" ص ٢٩٥.
(٣) "المفهم" ٥/ ١٢٤ - ١٢٥.