بأن الفعل، إذا كان عظيم الخطر، وما ينبني عليه الفعل رفيع الشأن، فُهم منه الحصر على سبيل الكناية، ولا سيما إذا لُوحظ ما ذُكر في أسباب النزول، من أن العرب كانوا يَدَّعُون علم نزول الغيث، فيُشعر بأن المراد من الآية نفي علمهم بذلك، واختصاصه بالله سبحانه وتعالى.
[فائدة]: النكتة في العدول عن الإثبات إلى النفي في قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان: ٣٤]، وكذا التعبير بالدراية، دون العلم؛ للمبالغة والتعميم، إذ الدراية اكتساب على الشيء بحيلة، فإذا انتفى ذلك عن كل نفس، مع كونه من مختصاتها، ولم تقع منه على علم، كان عدم اطلاعها على علم غير ذلك من باب أولى. انتهى ملخصًا من كلام الطيبي.
(لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ تَلَا) أي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ({إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان: ٣٤]) أي: علم وقت قيامها (وَيُنَزِّلُ) قرأ بالتشديد ابن عامر، ونافع، وعاصم من السبعة، وقرأ الباقون بالتخفيف، وهو عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل، تقديره: إن الله يَثْبُتُ عنده علم الساعة، وينزل (الْغَيْثَ) أي: المطر في إبّانه من غير تقديم ولا تأخير (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام) أذكرٌ أو أنثى، تامّ أو ناقص (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ) برّة كانت أو فاجرةً (مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) من خير أو شرّ، فربّما كانت عازمةً على فعل خير، فعملت شَرًّا، أو بالعكس (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أي: أين تموت، فربّما أقامت بأرض، وضربت أوتادها، وقالت: لا أبرحها، فترمي بها مرامي الأقدار حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بالغيوب (خَبِيرٌ) بما كان ويكون.
قال النسفيّ رحمهُ اللهُ: جَعَلَ العلم لله، والدراية للعبيد؛ لما في الدراية من معنى الْخَتْل والحيلة، والمعنى أنها لا تَعْرِفُ، وإن أعمَلَت حِيَلَها ما يختصّ بها، ولا شيءَ أخصّ بالإنسان من كسبه وعاقبته، فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان معرفة ما عداهما أبعدَ، وأما المنجّم الذي يُخبر بوقت الغيث والموت، فإنه يقول بالقياس، والنظر في الطالع، وما يُدرَك بالدليل لا يكون غيبًا، على أنه مجرّد الظنّ، والظنّ غير العلم. انتهى كلام النسفيّ (١).