للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الحافظ ابن كثير رحمهُ اللهُ (١): هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، فعِلمُ وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: ١٨٧]، وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أَمَرَ به علمته الملائكة الموكلون بذلك، ومن شاء الله من خلقه، وكذلك لا يَعْلَم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أَمَر بكونه ذكرًا أو أنثى، أو شقيًّا أو سعيدًا، علم الملائكة الموكلون بذلك، ومن شاء الله من خلقه، وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غدًا في دنياها وأخراها وما تدري نفس بأي أرض تموت في بلدها أو غيره، من أيّ بلاد الله كان، لا علم لأحد بذلك، وهذه شَبِيهة بقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} الآية [الأنعام: ٥٩]، وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب.

قال: وقال ابن أبي الدنيا: حدثني سليمان بن أبي مسيح، قال: أنشدني محمد بن الحكم لأعشى همدان [من البسيط]:

فَمَا تَزَوَّدَ مِمَّا كَانَ يَجْمَعُهُ … سِوَى حَنْوطٍ غَدَاةَ الْبَيْنِ مَعْ خِرَقِ

وَغَيْرِ نَفْحَةِ أَعْوَادٍ تُشَبُّ لَهُ (٢) … وَقَلَّ ذَلِكَ مِنْ زَادٍ لِمُنْطَلِقِ

لَا تَأْسَيَنَّ عَلَى شَيْءٍ فَكُلُّ فَتًى … إِلَى مَنِيَّتِه سَيَّارٌ فِي عَنَقِ

وَكُلُّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَوْتَ يُخْطِئُهُ … مُعَلَّلٌ بِأَعَالِيلٍ مِنَ الْحُمُقِ

بِأَيِّمَا بَلْدَةٍ تُقْدَرْ مَنِيَّتُهُ … إِنْ لَا يَسِيرُ (٣) إِلَيْهَا طَائِعًا يُسَقِ

أورده الحافظ ابن عساكر رحمهُ اللهُ في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث، وهو أعشى هَمْدَان، وكان الشعبي زوج أخته، وهو مُزَوَّج بأخت الشعبي أيضًا، وقد كان ممن طَلَب العلم وتَفَقَّهَ، ثم عدل إلى صناعة الشعر، فعُرِف به (٤).

وأخرج ابن عساكر عن المبرّد قال: كان عمر بن عبد العزيز كثيرًا ما يتمثّل:


(١) راجع: "تفسير ابن كثير" ٣/ ٤٥٤.
(٢) وعند ابن عساكر: "تسير له".
(٣) وفي "تاريخ دمشق". أي "يُسَبَّح".
(٤) راجع ترجمته في: "تاريخ دمشق" ٣٤/ ٤٧٨ - ٤٨٢.