للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بيت المال، وفي الكفارة على هذا وجهان لأصحابنا: أحدهما: في بيت المال أيضًا، والثاني: في مال الإمام، هذا مذهبنا، وقال جماهير العلماء: لا ضمان فيه، لا على الإمام، ولا على عاقلته، ولا في بيت المال، والله أعلم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": اتفقوا على أن من مات من الضرب في الحدّ لا ضمان على قاتله، إلا في حدّ الخمر، فعن عليّ - رضي الله عنه - ما تقدم، وقال الشافعيّ: إن ضُرب بغير السوط فلا ضمان، وإن جُلد بالسوط ضُمِن، قيل: الدية، وقيل: قَدْر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره، والدية في ذلك على عاقلة الإمام، وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قول عليّ - رضي الله عنه -: "ما كنت لأقيم على أحد حدًّا. . . إلخ" يدلُّ على أن ما كان فيه حدٌّ محدود، فأقامه الإمام على وجهه، فمات المحدود بسببه؛ لم يلزم الإمام شيء، ولا عاقلته، ولا آل بيت المال، وهذا مجتمعٌ عليه؛ لأنَّ الإمام قام بما وجب عليه، والميت قتيل الله، وأمَّا حدّ الخمر فقد ظهر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحدّ فيه حدًّا، فلمّا قَصَرته الصحابة - رضي الله عنهم - على عدد محدود، وهو الثمانون، وجد عليّ - رضي الله عنه - في نفسه من ذلك شيئًا، فصرَّح بالتزام الدِّية إن وقع له موت المجلود احتياطًا، وتوقيًّا، لكن ذلك - والله أعلم - فيما زاد على الأربعين إلى الثمانين، وأمَّا الأربعون: فقد صرَّح هو على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر جلداها، وسَمَّى ذلك سُنَّة، فكيف يخاف من ذلك؟.

وهذا هو الذي فهمه الشافعيّ من فِعل عليّ - رضي الله عنه - هذا، فقال: إن حُدَّ أربعين بالأيدي، والنعال، والثياب فمات؛ فالله قتله، وإن زِيدَ على الأربعين بذاك، أو ضُرب أربعين بسوط فمات؛ فَدِيَتُه على عاقلة الإمام.

قال القرطبيّ رحمه الله: ويظهر لي مِن فِعل عمر - رضي الله عنه - خلافُ ذلك: إنه لمّا شُهِدَ على قُدامة بشُرب الخمر استشار من حضره في جَلْدِه، فقال القوم: لا


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ٢٢١.
(٢) "الفتح" ١٥/ ٥٢٤، كتاب "الحدود" رقم (٦٧٧٨).