وقوله:(وَمَنْ أتَى مِنْكُمْ حَدًّا)؛ أي: ما يوجب الحدّ.
وقوله:(فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فهُوَ كَفَّارَتُهُ) قال ابن العربيّ رحمه الله: دخل في عموم قوله المُشْرك، أو هو مستثنى، فإن المشرك إذا عوقب على شِرْكه لم يكن ذلك كفارة له، بل زيادة في نكاله.
قال الحافظ: وهذا لا خلاف فيه.
قال: وأما القتل فهو كفارة بالنسبة إلى الوليّ المستوفي للقصاص في حقّ المقتول؛ لأن القصاص ليس بحقّ له، بل يبقى حقّ المقتول، فيطالبه به في الآخرة، كسائر الحقوق.
قال الحافظ: والذي قاله في مقام المنع، وقد نقلت في الكلام على قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}[النساء: ٩٣] قول من قال: يبقى للمقتول حقّ التشفي، وهو أقرب من إطلاق ابن العربي هنا.
قال: وأما السرقة فتتوقف براءة السارق فيها على ردّ المسروق لمستحقه، وأما الزنا فأطلق الجمهور أنه حقّ الله، وهي غفلة؛ لأن لآل المَزْنيّ بها في ذلك حقًّا لِمَا يلزم منه من دخول العار على أبيها، وزوجها، وغيرهما، ومحصّل ذلك أن الكفارة تختص بحقّ الله تعالى، دون حقّ الآدمي في جميع ذلك. انتهى (١).
[تنبيه]: تكلّم الحافظ أبو الفضل بن عمّار الشهيد في هذا الحديث، في "العلل" فقال: ووجدت فيه لهشيم، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن عبادة، قال: أَخَذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ على النساء، قال أبو الفضل: هذا حديث اختُلِف فيه على خالد، فرواه جماعة عن خالد هكذا، وقال آخرون: عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن عبادة، والاضطراب إنما هو من خالد، ورواه محمد بن المنهال الضرير، عن يزيد بن زريع، قال: قلت لخالد - يعني: في هذا الحديث - كنتَ حدّثتنا عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، قال: غَيِّرْه، واجعله عن أبي أسماء، عن عبادة، أخبرنا أبو المثنى معاذ بن المثنى، عن محمد بن المنهال الضرير، حدّثنا يزيد بن
(١) راجع: "الفتح" ١٥/ ٥٥٠ - ٥٥١، كتاب "الحدود" رقم (٦٧٨٤).