للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ - رحمه الله -: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعيّ، والجمهور، مِنْ سلف الأمة وخلفها، أن اليمين تتوجه على كل مَن ادُّعِي عليه حقّ، سواء كان بينه وبين المدعِي اختلاط أم لا، وقال مالك، وجمهور أصحابه، والفقهاء السبعة، فقهاء المدينة: إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خُلْطة؛ لئلا يَبتذِل السفهاءُ أهلَ الفضل بتحليفهم مرارًا في اليوم الواحد، فاشتُرطت الخلطة دفعًا؛ لهذه المفسدة، واختلفوا في تفسير الْخُلْطة، فقيل: هي معرفته بمعاملته، ومداينته، بشاهد، أو بشاهدين، وقيل: تكفي الشبهة، وقيل: هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله، وقيل: أن يليق به أن يعامله بمثلها، ودليل الجمهور حديث الباب، ولا أصل لاشتراط الْخُلطة في كتاب، ولا سُنَّة، ولا إجماع. انتهى (١).

٤ - (ومنها): أنَّه استُدِلّ بقوله: "لادّعَى ناس دماء ناس وأموالهم" على إبطال قول المالكية في التدمية، ووجه الدلالة تسويته - صلى الله عليه وسلم - بين الدماء والأموال.

[وأجيب]: بأنهم لم يُسندوا القصاص مثلًا إلى قول المدعي، بل للقَسامة، فيكون قوله ذلك لَوْثًا يقوّي جانب المدعي في بداءته بالأيمان، ذَكَره في "الفتح" (٢).

٥ - (ومنها): ما قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: الحديث دليل على أنَّه لا يجوز الحكم إلا بالقانون الشرعيّ الذي رُتِّب، وإن غلب على الظنّ صِدْق المدعِي، ويدل على أن اليمين على المدعَى عليه مطلقًا، وقد اختلف الفقهاء في اشتراط أمر آخر في وجه اليمين على المدعى عليه.

وفي مذهب مالك وأصحابه: تصرفات بالتخصيصات لهذا العموم، خالفهم فيها غيرهم.

منها: اعتبار الخلطة بين المدعي والمدعى عليه في اليمين.

ومنها: أن من ادعى سببًا من أسباب القصاص: لم تجب به اليمين، إلا أن يقيم على ذلك شاهدًا فتجب اليمين.


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٣.
(٢) ٦/ ٥٤٩، كتاب "الشهادات" رقم (٢٦٦٨).