مع فتحها، قال في "القاموس": كَرِهه، كسَمِعه، وكَرَّهه إليه تكريهًا صَيَّره كَرِيها، وقوله:"لكم"؛ أي: لأجلكم، وقوله:"قيل، وقال" بصيغتي المجهول، والمعلوم للماضي، قال في "الفائق": نَهْيٌ عن فضول ما يتحدث به المجالسون من قولهم: قيل كذا، وقال كذا، وبناؤهما على كونهما فعلين محكيين متضمِّنين للضمير، والإعراب على إجرائهما مُجْرَى الأسماء، خاليين من الضمير، ومنه قوله:"إنما الدنيا قال وقيل"، وإدخال حرف التعريف عليهما لذلك في قولهم: ما يَعْرِف من القيل.
وقال في "النهاية": وهذا النهي إنما يصح في قولٍ لا يصحّ، ولا يُعْلَم حقيقته، فأما مَن حَكَى ما يصح، وَيعرف حقيقته، وأسنده إلى ثقة صادق فلا وجه للنهي عنه، ولا ذمّ.
وقال أبو عبيد: فيه تجوّز عربيةً، وذلك أنه جعل كلًّا من القيل والقال مصدرًا، كأنه قال: نهى عن قيل وقال، يقال: قلت قولًا وقالًا وقيلًا، وهذا التأويل على أنَّهما اسمان، وقيل: أراد النهي عن كثرة الكلام، مبتدئًا، ومجيبًا، وقيل: هذا الكلام يتضمّن بعمومه حرمة النميمة والغيبة، فإن تبليغ الكلام من أقبح الخصال، والإصغاء إليها من أفحش الفعال. انتهى (١).
(وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) قال في "الفتح": اختُلف في المراد منه، وهل هو سؤال المال، أو السؤال عن المشكلات، والمعضلات، أو أعمّ من ذلك؟ والأَولى حَمْله على العموم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به: كثرة السؤال عن أخبار الناس، وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يَكره المسؤول غالبًا.
وقد ثبت النهي عن الأغلوطات، أخرجه أبو داود، من حديث معاوية - رضي الله عنه -، وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادةً، أو يندر جدًّا، وإنما كَرِهوا ذلك لِمَا فيه من التنطّع، والقول بالظنّ؛ إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ، وأما ما تقدم في اللِّعان:"فَكَرِه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسائل وعابها"، وكذا في قوله تعالى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}