[المائدة: ١٠١] فذلك خاصّ بزمان نزول الوحي، ويشير إليه حديثُ:"أعظم الناس جُرْمًا عند الله من سأل عن شيء لَمْ يُحَرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته".
وثبت أيضًا ذمّ السؤال للمال، ومدحُ من لا يُلْحِف فيه، كقوله تعالى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}[البقرة: ٢٧٣]، وفي "الصحيحين": حديث: "لا تزال المسألة بالعبد حتى يأتي يوم القيامة، وليس في وجهه مُزْعة لحم".
وفي "صحيح مسلم": "إن المسألة لا تَحِلّ إلَّا لثلاثة: لذي فقر مُدْقِع، أو غُرْم مُفْظِع، أو جائحة".
وفي "جامع الترمذيّ": قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن عباس:"إذا سألت فاسأل الله"، وفي "سنن أبي داود": "إن كنت لا بد سائلًا، فاسأل الصالحين".
وقد اختلف العلماء في ذلك، والمعروف عند الشافعية أنه جائز؛ لأنه طلب مباح، فأشبه العارية، وحملوا الأحاديث الواردة على من سأل من الزكاة الواجبة، ممن ليس من أهلها، لكن قال النوويّ في اتفاق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضوورة، قال: واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين: أصحهما التحريم؛ لظاهر الأحاديث، والثاني يجوز مع الكراهة بشروط ثلاثة: أن لا يُلِحّ، ولا يُذِلّ نفسه زيادة على ذلّ نفس السؤال، ولا يُؤدِّيَ المسؤول، فإن فُقِد شرط من ذلك حَرُم.
وقال الفاكهانيّ: يُتَعَجَّب ممن قال بكراهة السؤال مطلقًا، مع وجود السؤال في عصر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم السلف المصالح من غير نكير، فالشارع لا يُقِرّ على مكروه.
قال الحافظ: لعل من كره مطلقًا أراد أنه خلاف الأَولي، ولا يلزم من وقوعه أن تتغير صفته، ولا من تقريره أيضًا، وينبغي حمل حال أولئك على السداد، وأن السائل منهم غالبأَ ما كان يسأل إلَّا عند الحاجة الشديدة.
وفي قوله: من غير نكير نَظَر، ففي الأحاديث الكثيرة الواردة في ذم السؤال كفاية في إنكار ذلك.
[تنبيه]: جميع ما تقدم فيما سأل لنفسه، وأما إذا سأل لغيره، فالذي يظهر أيضًا أنه يختلف باختلاف الأحوال. انتهى (١).
(١) "الفتح" ١٣/ ٥٠٣ - ٥٠٤، كتاب "الأدب" رقم (٥٩٧٥).