(وَإِضَاعَةَ الْمَالِ") قال في "الفتح": حَمَله الأكثر على الإسراف في الإنفاق، وقيَّده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى أنه ما أُنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا، سواء كانت دينية، أو دنيوية، فمُنِع منه؛ لأنَّ الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح، إما في حق مضيِّعها، وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البرّ؛ لتحصيل ثواب الآخرة، ما لَمْ يفوت حقًّا أخرويًا أهم منه.
والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه:
الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعًا، فلا شك في منعه.
والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعًا، فلا شك في كونه مطلوبًا بالشرط المذكور.
والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة، كملاذّ النفس، فهذا ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق، وبقَدْر ماله، فهذا ليس بإسراف.
والثاني: ما لا يليق به عُرفًا، وهو ينقسم أيضًا إلى قسمين:
أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة، إما ناجزة، أو متوقَّعة، فهذا ليس بإسراف.
والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك، فالجمهور على أنَّه إسراف، وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف، قال: لأنه تقوم به مصلحة البدن، وهو غرض صحيح، في ذا كان في غير معصية فهو مباح له.
قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال. انتهى، وقد صرّح بالمنع القاضي حسين، فقال في "كتاب قسم الصدقات": هو حرام، وتبعه الغزاليّ، وجزم به الرافعيّ في الكلام على المغارم، وصحح في باب الحَجْر من الشرح، وفي المحرَّر أنه ليس بتبذير، وتبعه النوويّ، والذي يترجح أنه ليس مذمومًا لذاته، لكنه يفضي غالبًا إلى ارتكاب المحذور، كسؤال الناس، وما أبي إلى المحذور فهو محذور.
وقد تقدم في "كتاب الزكاة"البحث في جواز المتصدق بجميع المال، وأن