للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جَهَد في الأمر جَهْدًا، من باب نفع: إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب، وجَهَده الأمرُ والمرضُ جَهدًا أيضًا: إذا بلغ منه المشقّة. قاله الفيّوميّ (١).

(ثُمَّ أَصَابَ) وفي رواية أحمد: "فأصاب"، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هكذا وقع في الحديث، بدأ بالحكم قبل الاجتهاد، والأمر بالعكس، فإن الاجتهاد يتقدم الحكم؛ إذ لا يجوز الحكم قبل الاجتهاد اتفاقًا، لكن التقدير في قوله: "إذا حكم": إذا أراد أن يحكم، فعند ذلك يجتهد، قال: ويؤيده أن أهل الأصول قالوا: يجب على المجتهد أن يجدد النظر عند وقوع النازلة، ولا يعتمد على اجتهاده المتقدّم؛ لإمكان أن يظهر له ثانيًا خلاف ما ظهر له أَوّلًا، اللهمّ إلَّا أن يكون ذاكرًا لأركان اجتهاده، مائلًا إليه، فلا يحتاج إلى استئناف نظر في إمارة أخرى. انتهى (٢).

قال الحافظ: ويَحْتَمِل أن تكون الفاء - أي: في قوله: فاجتهد - تفسيرية، لا تعقيبية، وقوله: "فأصاب"؛ أي: صادف ما في نفس الأمر، من حكم الله تعالى، يقال: أصاب بغيته إصابةً: نالها، وأصاب السهمُ إصابةً: وصل الغرَضَ، وفيه لغتان أُخريان: إحداهما: صابه صوبًا، من باب قال، والثانية: يصيبه صَيْبًا، من باب باع. انتهى (٣).

(فَلَهُ أَجْرَانِ) أجر لاجتهاده، وأجر لإصابته الحقّ، (وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ)؛ أي: ظنّ أن الحقّ في جهة، فصادف أن الذي في نفس الأمر بخلاف ذلك (فَلَهُ أَجْرٌ)؛ أي: له أجر اجتهاده فقط، وقد تقدمت الإشارة إلى وقوع الخطأ في الاجتهاد في حديث أم سلمة - رضي الله عنهما -: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض".

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فأصاب"؛ أي: حكم، فأصاب وجه الحكم، وهو أن يحكم بالحقّ لمستحقّه في نفس الأمر عند الله تعالى، فهذا يكون له أجر بحسب اجتهاده، وأجر بسبب إصابة ما هو المقصود لنفسه، والخطأ الذي يناقض هذا هو أن يجتهد في حُجج الخصمين، فيظنّ


(١) "المصباح المنير" ١/ ١١٢.
(٢) "المفهم" ٥/ ١٦٦ - ١٦٧.
(٣) "الفتح" ١٧/ ٢٤٢ رقم (٧٣٥٢) بزيادة من غيره.