للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن الحقّ لأحدهما، وذلك بحَسَب ما سَمع من كلامه وحجته، فيقضي له، وليس كذلك عند الله تعالى، فهذا له أجر اجتهاده خاصّةً؛ إذ لا إصابة، وهذا المعنى هو الذي أراده النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: "فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على حسب ما أسمع"، وفي الأخرى: "فأحسب أنه صادق، فأقضي له"، وهذا في الحاكم بين الخصوم واضحٌ؛ لأنَّ هناك حقًّا معيّنًا عند الله تعالى، تنازعه الخصمان؛ لأنَّ أحد الخصمين مُبطلٌ قطعًا؛ لأنهما تقاسما الصدق والكذب، فمتى صَدَق أحدهما كذب الآخر، والحاكم إنما يجتهد في تعيين الحقّ، فقد يصيبه، وقد يُخطئه، وعلى هذا فلا ينبغي أن يُختَلَف هنا في أن المصيب واحدٌ، وأن الحقّ في طرف واحد، وإنما ينبغي أن يختصّ الخلاف بالمجتهد في استخراج الإحكام من أدلّة الشريعة؛ بناءً على الخلاف في أن النوازل غير المنصوص عليها، هل لله تعالى فيها أحكام معيّنة، أم لا؟، وللمسألة غور، وفيها أبحاث، استوفيناها في كتابنا في الأصول. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

[تنبيه]: وقد ذُكر لحديث الباب سبب، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبيه: "قال: جاء رجلان إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يختصمان، فقال لعمرو: اقض بينهما يا عمرو، قال: أنت أولى بذلك مني يا رسول الله، قال: وإن كان، قال: فإذا قضيتُ بينهما فما لي؟ " فذكر نحوه، لكن قال في الإصابة: "فلك عشر حسنات".

وعن عقبة بن عامر نحوه بغير قصة، بلفظ: "فلك عشرة أجور"، قال الحافظ: وفي سند كلّ منهما ضَعف، قال: ولم أقف على اسم من أُبهم في هذين الحديثين. انتهى (٢).


(١) "المفهم" ٥/ ١٦٧.
(٢) "الفتح" ١٧/ ٢٤٢ - ٢٤٣ رقم (٧٣٥٢).