شيء من ذلك، وقد جاء في الحديث في "السنن": "القضاة ثلاثة: قاض في الجَنَّة، واثنان في النار: قاض عرف الحق، فقضى به، فهو في الجَنَّة، وقاض عرف الحق فقضى بخلافه، فهو في النار، وقاض قضى على جهل، فهو في النار".
٣ - (ومنها): ما قال ابن العربيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: عندي في هذا الحديث فائدة زائدة حاموا عليها، فلم يُسْقَوا، وهي: أن الأجر على العمل القاصر على العامل واحد، والأجر على العمل المتعدي يضاعَف، فإنه يؤجر في نفسه، وينجرّ له كلّ ما يتعلق بغيره من جنسه، فإذا قضى بالحق، وأعطاه لمستحقه، ثبت له أجر اجتهاده، وجرى له مثل أجر مستحق الحق، فلو كان أحد الخصمين ألحن بحجته من الآخر، فقضى له والحق في نفس الأمر لغيره، كان له أجر الاجتهاد فقط. انتهى.
قال الحافظ - مؤيِّدًا لكلام ابن العربيّ المذكور -: وتمامه: أن يقال: ولا يؤاخذ بإعطاء الحقّ لغير مستحقه؛ لأنه لَمْ يتعمد ذلك، بل وِزر المحكوم له قاصر عليه، ولا يخفى أن محل ذلك أن يبذل وُسعه في الاجتهاد، وهو من أهله، وإلا فقد يَلْحَق به الوزر إن أخلّ بذلك، والله أعلم. انتهى (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في بيان شروط المجتهد:
قال العلّامة ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: يُشترط في القاضي ثلاثة شروط:
[أحدها]: الكمال، وهو نوعان: كمال الإحكام، وكمال الْخِلْقة:
أما كمال الإحكام فيُعتبر في أربعة أشياء: أن يكون بالغًا عاقلًا حرًّا ذكرًا، وحُكي عن ابن جرير أنه لا تشترط الذكورية؛ لأنَّ المرأة يجوز أن تكون مُفتية، فيجوز أن تكون قاضية، وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون قاضية في غير الحدود؛ لأنه يجوز أن تكون شاهدة فيه، ولنا قول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أفلح قوم وَلَّوا أمرهم امرأة"، ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال، ويحتاج فيه إلى كمال الرأي، وتمام العقل والفطنة، والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي،