وقال أبو بكر بن العربي رحمه الله: تعلق بهذا الحديث من قال: إن الحقّ في جهة واحدة؛ للتصريح بتخطئة واحد لا بعينه، قال: وهي نازلة في الخلاف عظيمة. وقال المازريّ رحمه الله: تمسّك به كلٌّ من الطائفتين: من قال: إن الحق في طرفين، ومن قال: إن كل مجتهد مصيب، أما الأُولى: فلأنه لو كان كلٌّ مصيبًا، لم يُطلق على أحدهما الخطأ؛ لاستحالة النقيضين في حالة واحدة، وأما المصوِّبة، فاحتجوا بأنه - صلى الله عليه وسلم -، جعل له أجرًا، فلو كان لم يُصِب لم يؤجَر، وأجابوا عن إطلاق الخطإ في الخبر على مَن ذَهِل عن النص، أو اجتهد فيما لا يسوغ الاجتهاد فيه، من القطعيات فيما خالف الإجماع، فإن مثل هذا إن اتفق له الخطأ فيه فُسخ حكمه وفتواه، ولو اجتهد بالإجماع، وهو الذي يصح عليه إطلاق الخطأ، وأما من اجتهد في قضية، ليس فيها نص، ولا إجماع، فلا يُطلق عليه الخطأ. وأطال المازريّ في تقرير ذلك، والانتصار له، وختم كلامه بأن قال: إن من قال: إن الحق في طرفين، هو قول أكثر أهل التحقيق، من الفقهاء، والمتكلمين، وهو مروي عن الأئمة الأربعة، وإن حُكي عن كل منهم اختلاف فيه.
قال الحافظ رحمه الله: والمعروف عن الشافعيّ رحمه الله الأول. انتهى (١).
وقال القرطبيّ في "المفهم": الحكم المذكور ينبغي أن يختص بالحاكم بين الخصمين؛ لأن هناك حقًّا معيَّنًا في نفس الأمر، يتنازعه الخصمان، فإذا قُضِي به لأحدهما بَطَل حقّ الآخر قطعًا، وأحدهما فيه مُبطل لا محالة، والحاكم لا يطّلع على ذلك، فهذه الصورة لا يُختَلَف فيها أن المصيب واحد؛ لكون الحقّ في طرف واحد، وينبغي أن يختص الخلاف بأن المصيب واحد؛ إذ كل مجتهد مصيب بالمسائل التي يُستخرج الحقّ منها بطريق الدلالة. انتهى، وإلى هذه المسألة أشار السيوطيّ رحمه الله في "الكوكب الساطع"، حيث قال: