وَقِيلَ زَادَ الْعَنْبَرِي كُلٌّ مُصِيبْ … وَفِي الَّتِي لَا قَاطِعٌ فِيهَا مُصِيبْ
كُلٌّ لِذِي صَاحِبَي النُّعْمَانِ … وَالْبَازِ وَالشَّيْخِ وَبَاقِلَّانِي
فَذَانِ قَالَا إِنَّ حُكْمَ اللهِ … تَابِعُ ظَنِّهِ بِلَا اشْتِبَاهِ
وَالأَوَّلُونَ ثَمَّ أَمْرٌ لَوْ حَكَمْ … كَانَ بِهِ مَنْ لَمْ يُصَادِفْهُ اتَّسَمْ
أَصَابَ لَا حُكْمًا وَلَا انْتِهَاءَ … بَلِ اجْتِهَادًا فِيهِ وَابْتِدَاءَ
وَالأَكْثَرُونَ وَاحِدٌ وَفِيهِ … لِلهِ حُكْمٌ قَبْلَهُ عَلَيْهِ
أَمَارَةٌ وَقِيلَ لَا وَالْمُعْتَمَدْ … كُلِّفَ أَنْ يُصِيبَهُ مَنِ اجْتَهَدْ
وَأَنَّ مَنْ أَخْطَأَهُ لَا يَأْثَمُ … بَلْ أَجْرُهُ لِقَصْدِهِ مُنْحَتِمُ
وَفَرْدٌ الْمُصِيبُ بِالإِجْمَاعِ … مَعْ قَاطِعٍ وَقِيلَ بِالنِّزَاعِ
وَنَفْيُ إِثْمِ مُخْطِيءٍ ذُو الانْتِقَا … وَإِنْ يُقَصِّرْ فَعَلَيْهِ اتُّفِقَا
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح ما ذهب إليه الأكثرون، وهو ما دلّ عليه ظاهر الحديث من أن المصيب واحد، وأن الآخر المخطئ معذور مأجور بأجر واحد؛ لاجتهاده، وقد حققت المسألة، وفصّلتها في "التحفة المرضيّة"، وشَرْحها، فراجعها تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في الاجتهاد، والمجتهد على ما ذُكر في كتب أصول الفقه:
الاجتهاد لغةً: بذل الجهد فيما فيه كُلْفة، وهو مأخوذ من جهاد النفس، وكدّها في طلب المراد، وفي الاصطلاح: بذل الفقيه الوسع لتحصيل ظنّ بحكم، قاله في "جمع الجوامع"، زاد ابن الحاجب: والمراد ببذل الوسع: بذل تمام الطاقة في النظر في الأدلّة بحيث تُحسّ النفس بالعجز عن الزيادة، وإلى هذا التعريف أشار في "الكوكب الساطع" بقوله:
بَذْلُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ فِي تَحْصِيلِ … ظَنٍّ بِالأحْكَامِ مِنَ الدَّلِيلِ
فخرج بذل غير الفقيه، وبذل الفقيه لتحصيل قطعٍ بحكم عقليّ. والمراد بالفقيه هنا: المتهيّئ للفقه مجازًا شائعًا، ويكون بما يُحصّله فقيهًا حقيقةً.
والمجتهد: هو الفقيه، وشرطوا له أن يكون بالغًا عاقلًا، فقيه النفس؛ أي: شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام، بحيث يكون له قدرة على التصرّف؛