للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد خالف في ذلك طائفة من السلف منهم: عطاء، والزهري، والثوريّ، ومالك، وحكي عن غيرهم أيضًا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه بعض السلف هو الظاهر. والله تعالى أعلم.

وأما المعاملات، كالعقود، والفسوخ، ونحوهما، فما كان منها مغيِّر الأوضاع الشرعية، كجعل حد الزنا عقوبة مالية، وما أشبه ذلك، فإنه مردود من أصله، لا ينتقل به المُلك؛ لأن هذا غير معهود في أحكام الإسلام، ويدل على ذلك أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال للذي سأله: إن ابني كان عسيفًا (١) على فلان، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "المائة الشاة والخادم ردّ عليك، وعلى ابنك مائة جلدة، وتغريب عام" (٢).

وما كان منها عقدًا منهيًّا عنه في الشرع، إما لكون المعقود عليه ليس محلًّا للعقد، أو لفوات شرط فيه، أو لظلم يحصل به للمعقود معه، أو عليه، أو لكون العقد يَشغَل عن ذكر الله عز وجل الواجبِ عند تضايق وقته، أو غير ذلك، فهذا العقد هل هو مردود بالكلية، لا يَنتقِل به المُلك أم لا؟ هذا الموضع قد اضطرب الناس فيه اضطرابًا كثيرًا، وذلك أنه ورد في بعض الصور أنه مردود لا يفيد الملك، وفي بعضها أنه يفيده، فحصل الاضطراب فيه بسبب ذلك.

والأقرب - إن شاء الله تعالى - أنه إن كان النهي عنه لحقّ الله تعالى، لا يفيد الملك بالكلية، ومعنى أن يكون الحق لله أنه لا يسقط برضا المتعاقدين عليه، وإن كان النهي عنه لحقّ آدمي معيَّن، بحيث يسقط برضاه به، فإنه يوقف على رضاه به، فإن رضي لزم العقد، واستمر المُلك، وإن لم يَرْضَ به فله الفسخ، فإن كان الذي يلحقه الضرر لا يُعتبر رضاه بالكلية، كالزوجة والعبد في الطلاق والعتاق، فلا عبرة برضاه ولا بسخطه، وإن كان النهي رفقًا بالمنهي خاصة؛ لِمَا يلحقه من المشقة، فخالف وارتكب المشقة، لم يبطل بذلك عمله.

فأما الأول: فله صور كثيرة:

(منها): نكاح من يحرم نكاحه، إما لِعَيْنه كالمحرمات على التأبيد بسبب


(١) "العسيف" كالأجير وزنًا ومعنىً.
(٢) متّفقٌ عليه.