قال الجامع عفا الله عنه: وعبارة القرطبيّ هكذا: وفُتيا القاسم بن محمد فيمن له مساكن، فأوصى بثلث كل مسكن منها، بأنَّه: يُجْمَع ذلك كلُّه في مسكن واحد، فيه إشكال؛ إذ هي مخالفة لِمَا أوصى به الموصي، والأصل اتِّباع أقواله والعمل بظاهرها؛ فإنَّه كالمشرِّع، ففتيا القاسم ليس على ظاهرها، وإنما هي محمولة على ما إذا أراد أحد الفريقين من الورثة، أو الموصى لهم القسمة، وتمييز حقه، وكانت المساكن متقاربة، بحيث يُضَمّ بعضها إلى بعض في القسمة، فحينئذ تقوَّم تلك المساكن قيمة التعديل، وتُقسم بينهم، فيُجمع نصيب الموصى لهم في موضع واحد يشتركون فيه بحسب وصاياهم، ويبقى نصيب الورثة فيما عدا ذلك، بحسب مواريثهم.
[فإن قيل]: فقد استحالت الوصية عن أصلها.
[فالجواب]: أن ذلك بحسب ما أدَّت إليه سُنَّة القسمة عند الدُّعاء إليها، فإن الموصي لو أوصى بثلت كل مسكن، ومنع من القَسْم لم يُلْتَفَت إلى منعه، وكان ذلك المنع مردودًا، وهو الذي استدلَّ على ردِّه القاسم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ"، فلو لم يطلب أحدٌ من الفريقين قسمة، أو كانت المساكن لا يُضمُّ بعضها إلى بعض لبُعدها، وتباين اختلافها بقي كلُّ واحد منهم على نصيبه حَسَب ما وُصِّي له به، وهذا كلُّه مذهب مالك. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: مراد القاسم أن تغيير وصية الموصي إلى ما هو أحب إلى الله، وأنفع جائز، وقد حُكي هذا عن عطاء، وابن جريج. وربما يستدل بعض من ذهب إلى هذا بقوله تعالى:{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: ١٨٢]، ولعله أخذ هذا من جَمْع العتق، فإنه صحّ أن رجلًا أعتق ستة مماليك عند موته، فدعاهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فجزّأهم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين وأرقّ أربعة، أخرجه مسلم.
وذهب فقهاء الحديث إلى هذا الحديث؛ لأن تكميل عتق العبد مهما أمكن فهو أولى من تشقيصه، ولهذا شُرعت السراية والسعاية، إذا أعتق أحد