للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مطلقًا، وهذا واضح. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

وقال ابن عبد البرّ رحمه الله: قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول في تفسير هذا الحديث: إنه الرجل تكون عنده الشهادة في الحقّ يكون للرجل، ولا يَعْلَم بذلك قبلُ، فيُخبِر بشهادته، ويرفعها إلى السلطان، قال ابن وهب: وبلغني عن يحيى بن سعيد، أنه قال: من دُعي لشهادة عنده، فعليه أن يجيب إذا عَلِم أنه ينتفع بها الذي يشهد له بها، وعليه أن يؤديها، ومن كانت عنده شهادة لا يعلم بها صاحبها فليؤدِّها قبل أن يسأل عنها، فإنه كان يقال: من أفضل الشهادات شهادةُ رجل أدّاها قبل أن يُسألها.

قال أبو عمر: تفسير مالك لهذا الحديث حسن، وتفسير يحيى بن سعيد نحوه، وأداء الشهادة بِرّ، وخير، وقيام بحقّ، فمن بَدَرَ (٢) إلى ذلك فله الفضل على غيره، ممن لم يبدُر بها، قال الله عز وجل: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} الآية [المائدة: ٤٨]، ومعلوم أنه ربما نَسِي صاحب الشهادة شهادة عدل معلوم (٣) لا يدري أين هو؟ ولا من هو؟، ويخاف ذهاب حقه، فإذا أخبره الشاهد العدل بأن له شهادةً عنده فَرَّج كربه، وأدخل السرور عليه، وقد ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ومن نَفَّس عن مسلم كُربةً من كُرَب الدنيا نَفَّس الله عنه كربة من كُرَب الآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، رواه مسلم.

قال: وقد روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمران بن الحصين وغيره قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يتسمنون، ويحبون السِّمَن، يعطون الشهادة قبل أن يُسألوها"، متّفق عليه.

قال: وهذا ليس بمعارض لحديث مالك في هذا الباب، وقد فسَّر إبراهيم النخعيّ هذا الحديث، فقال فيه كلامًا معناه: أن الشهادة ها هنا اليمين؛ أي: يحلف أحدهم قبل أن يُستَحلَفَ، ويحلف حيث لا تراد منه يمين، واليمين قد تسمى شهادة، قال الله تعالى: {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} الآية [النور: ٦ و ٨]: أي:


(١) "المفهم" ٥/ ١٧٢ - ١٧٣.
(٢) من باب قعد.
(٣) وقع في النسخة: "شهادة فضل معلومًا"، والظاهر أنه تصحيف، فتأمل، والله تعالى أعلم.