للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أربع أيمان. انتهى (١).

وقال في "التمهيد": قال أبو عمر: تفسير مالك ويحيى بن سعيد لهذا الحديث أولى ما قيل به فيه، ولا يَسَعُ الذي عنده شهادة لغيره أن يكتمها، ولا أن يسكت عنها، إلا أن يعلم أن حق الطالب يثبت، أو قد ثبت بغيره، فان كان كذلك فهو في سعة، وأداؤها مع ذلك أفضل، وسواء شهد أحد قبله، أو معه، أو لم يشهد، إذا كان الحق مالًا؛ لأن اليمين فيه مع الشاهد الواحد.

وقال أيضًا: معنى هذا الحديث عندهم النهي عن قول الرجل: أشهد بالله، وعليّ عهد الله، ونحو ذلك، والبدار إلى ذلك، وإلى اليمين في كل ما لا يصلح، وما يصلح، وليس هذا الحديث من باب أداء الشهادة في شيء، وقد سمّى الله عز وجل أيمان اللعان شهادات، فقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦]، وهذا واضح يُغني عن الإكثار فيه. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله (٢).

وقال النوويّ رحمه الله: وفي المراد بهذا الحديث تأويلان:

أصحهما، وأشهرهما تأويل مالك، وأصحاب الشافعيّ أنه محمول على من عنده شهادة لإنسان بحقّ، ولا يَعلم ذلك الإنسان أنه شاهد، فيأتي إليه، فيخبره بأنه شاهد له.

والثاني: أنه محمول على شهادة الْحِسْبة (٣)، وذلك في غير حقوق الآدميين المختصة بهم، فمما تُقْبَل فيه شهادة الحسبة: الطلاقُ والعتق، والوقف، والوصايا العامة، والحدود، ونحو ذلك، فمن عَلِم شيئًا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي، وإعلامه به، والشهادة، قال الله تعالى:


(١) "الاستذكار" ٧/ ١٠٠.
(٢) "التمهيد" ١٧/ ٢٩٥ - ٣٠١.
(٣) شهادة الحِسبة عرّفها الفقهاء بأنها عبارة عن أداء الشاهد شهادة تحمّلها ابتداء، لا بطلب طالب، ولا بتقدّم دعوى مُدَّعٍ، ومعنى حسبة: أي احتسابًا لله تعالى، وطلبًا للأجر منه، فشاهد الحسبة لا يتقدّمه دعوى مدَّعٍ، فيكون هو مدّعيًا، كما هو شاهد في نفس الوقت، وتُقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى الخالصة، مثل حدّ الزنا، والشرب، وقطع الطريق، كما تُقبل في الزكاة، والعَتاق، والوصيّة للفقراء، والوقف عليهم، وعلى المصالح العامّة، وفي الطلاق، والعدّة، وحرمة المصاهرة، والخلع، والرضاع، وغيره. راجع: "ردّ المحتار" لابن عابدين ٤/ ٥١٤.