وقال القرطبيّ:"الغفران": مصدرٌ كالكفران، والخسران، والعامل فيه مقدّر، تقديره: اغفر غُفرانك، وقيل: نطلب، أو نسأل غفرانك (١)، وقوله: و {رَبَّنَا} منادى بحذف حرف النداء.
(وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ") أي المرجع، وفيه إقرارٌ بالبعث، والوقوف بين يدي الله تعالى.
(قَالُوا) أي الصحابة المشفقون من هذه الآية لَمّا أرشدهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى ما هو الصواب المخالف لطريق المغضوب عليهم وطريق الضالّين (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أي سمعنا قولك يا ربّنا، وفهمناه، وقُمنا به، وامتثلنا العمل بمقتضاه (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا) أي اغفر لنا مغفرتك.
وقال ابن جرير: يعني بذلك جلّ ثناؤه: وقال الكل من المؤمنين: سمعنا قول ربنا، وأمره إيانا بما أَمَرنا به، ونهيه عما نهانا عنه، وأطعنا، يعني: أطعنا ربنا فيما ألزمنا من فرائضه، واستعبدنا به من طاعته، وسلَّمنا له.
وقوله:{غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} يعني: وقالوا: غفرانك ربنا، بمعنى: اغفر لنا ربنا غفرانك، كما يقال: سبحانك، بمعنى نسبحك سبحانك، قال: والغفران والمغفرة: الستر من الله على ذنوب مَن غَفَر له، وصَفَحَه له عن هتك ستره بها في الدنيا والآخرة، وعفوه عليه {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} أي المرجع، قال ابن جرير: يعني جلّ ثناؤه أنهم قالوا: وإليك يا ربنا مرجعنا، ومعادنا، فاغفر لنا ذنوبنا.
فإن قال لنا قائل: فما الذي نَصَبَ قوله: غفرانك؟.
قيل له: وقوعه وهو مصدر موقع الأمر، وكذلك تفعل العرب بالمصادر، والأسماء إذا حلت محلَّ الأمر، وأَدّت عن معنى الأمر نصبتها، فيقولون: شكرًا لله يا فلان، وحمدًا له، بمعنى أشكر الله، وأحمده، والصلاةَ الصلاةَ بمعنى: صَلُّوا، ويقولون في الأسماء: اللهَ اللهَ يا قوم، ولو رُفِع بمعنى: هو اللهُ أو هذا الله، ووَجّهَ إلى الخبر، وفيه تأويل الأمر كان جائزًا، كما قال الشاعر [من الخفيف]: