منه إذن خاصّ، ولا عامّ، وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقًا، في الأكل، والشرب، سواء علم بطيب نفسه، أو لَمْ يعلم، والحجة لهم ما أخرجه أبو داود، والترمذيّ، وصححه، من رواية الحسن عن سمرة - رضي الله عنه -، مرفوعًا:"إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن لَمْ يكن صاحبها فيها، فَلْيُصَوِّت ثلاثًا، فإن أجاب، فليستاذنه، فإن أَذِن له، وإلا فليحلُب، وليشرب، ولا يحمل"، إسناده صحيح إلى الحسن، فمن صحح سماعه من سمرة صححه، ومن لا أعله بالانقطاع، لكن له شواهد، من أقواها حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعًا:"إذا أتيت على راع فناده ثلاثًا، فإن أجابك، وإلا فاشرب من غير أن تُفسد، وإذا أتيت على حائط بستان" فذكر مثله، أخرجه ابن ماجة، والطحاويّ، وصححه ابن حبان، والحاكم.
وأجيب عنه بأن حديث النهي أصحّ، فهو أولى بأن يُعْمَل به، وبأنه معارِضٌ للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه، فلا يُلتَفَت إليه.
ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع، منها: حمل الإذن على ما إذا عَلِم طيب نفس صاحبه، والنهي على ما إذا لَمْ يعلم.
ومنها تخصيص الإذن بابن السبيل، دون غيره، أو بالمضطر، أو بحال المجاعة مطلقًا، وهي متقاربة.
وحكى ابن بطال عن بعض شيوخه: أن حديث الإذن كان في زمنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحديث النهي أشار به إلى ما سيكون بعده من التَّشاحِّ، وترك المواساة.
ومنهم من حَمَل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المارّ؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: بينما نحن مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر إذ رأينا إبلًا مصرورةً، فثُبْنا إليها، فقال لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين، هو قوتهم، أيَسُرُّكُمْ لو رجعتم إلى مزاودكم، فوجدتم ما فيها قد ذهب؟ " قلنا: لا، قال:"فإن ذلك كذلك"، أخرجه أحمد، وابن ماجة، واللفظ له، وفي حديث أحمد:"فابتدرها القوم ليحلبوها"، قالوا: فَيُحْمَل حديث الإذن على ما إذا لَمْ يكن المالك محتاجًا، وحديث النهي على ما إذا كان محتاجًا.
ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة، والنهي على ما إذا كانت مصرورة؛ لهذا الحديث، لكن وقع عند أحمد في آخره: "فإن كنتم لا بُدّ