فاعلين، فاشربوا، ولا تحملوا"، فدل على عموم الإذن في المصرورة وغيرها، لكن بقيد عدم الحمل، ولا بُدّ منه.
واختار ابن العربيّ الحمل على العادة، قال: وكانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم المسامحة في ذلك، بخلاف بلدنا، قال: ورأى بعضهم أن ما كان على طريق لا يُعْدَل إليه، ولا يُقْصَد جاز للمارّ الأخذ منه، وفيه إشارة إلى قَصْر ذلك على المحتاج، وأشار أبو داود في "السنن" إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو، وآخرون إلى قصر الإذن على ما كان لأهل الذِّمة، والنهي على ما كان للمسلمين، واستؤنس بما شرطه الصحابة على أهل الذِّمة من ضيافة المسلمين، وصحّ ذلك عن عمر.
وذكر ابن وهب عن مالك في المسافر، ينزل بالذميّ، قال: لا يأخذ منه شيئًا إلَّا بإذنه، قيل له: فالضيافة التي جُعلت عليهم؟ قال: كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها، وأما الآن فلا.
وجنح بعضهم إلى نسخ الإذن، وحملوه على أنَّه كان قبل إيجاب الزكاة، قالوا: وكانت الضيافة حينئذ واجبةً، ثم نُسخ ذلك بفرض الزكاة، قال الطحاويّ: وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة، ثم نُسخت، فنُسخ ذلك الحكم، وأورد الأحاديث في ذلك.
وسيأتي الكلام على حكم الضيافة في الباب التالي - إن شاء الله تعالى -.
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرح المهذَّب": اختَلَف العلماء فيمن مَرّ ببستان، أو زَرْعٍ، أو ماشية، قال الجمهور: لا يجوز أن يأخذ منه شيئًا، إلَّا في حال الضرورة، فيأخذ، وَيغْرَم، عند الشافعيّ، والجمهور، وقال بعض السلف: لا يلزمه شيء، وقال أحمد: إذا لَمْ يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة، في أصح الروايتين، ولو لَمْ يحتج لذلك، وفي الأخرى: إذا احتاج، ولا ضمان عليه في الحالين، وعَلَّق الشافعيّ القول بذلك على صحة الحديث، قال البيهقيّ: يعني: حديث ابن عمر مرفوعًا: "إذا مر أحدكم بحائط، فليأكل، ولا يتخذ خَبِيئة"، أخرجه الترمذيّ، واستغربه، قال البيهقيّ: لَمْ يصحّ، وجاء من أوجه أُخر غير قوية.
قال الحافظ: والحقّ أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد