للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال الإمام ابن جرير: هذا تعليم من الله عز وجل عباده المؤمنين دعاءه، كيف يدعونه، وما يقولونه في دعائهم إياه، ومعناه: قولوا: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا شيئًا فرضت علينا عمله، فلم نعمله، أو أخطأنا في فعل شيء نهيتنا عن فعله، ففعلناه على غير قصد منا إلى معصيتك، ولكن على جهالة منا به، وخطأ. انتهى (١).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ: المعنى: اعْفُ عن إثم ما يقع منّا على هذين الوجهين، أو أحدِهما، فهو كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وُضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استُكْرِهوا عليه" (٢): أي إثم ذلك.

قال: وهذا لم يُخْتَلف فيه أن الإثم مرفوع، وإنما اختُلِف فيما يَتَعَلَّق على ذلك من الأحكام، هل ذلك مرفوعٌ، لا يلزم منه شيء، أو يَلزَم أحكام ذلك كلِّه؟، اختُلِف فيه، والصحيح أن ذلك يَختَلِف بحسب الوقائع، فقِسْمٌ لا يَسقُط باتفاق، كالغرامات، والديات، والصلوات المفروضات، وقسم يسقط باتفاق، كالقصاص، والنطق بكلمة الكفر، وقسم ثالث يُختلف فيه، كمن أكل ناسيًا في رمضان، أو حَنِثَ ساهيًا، وما كان مثله، مما يقع خطأ ونسيانًا، ويعرف ذلك في الفروع. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ أن هذا القسم ساقطٌ أيضًا، لظاهر هذا الحديث، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

وقال ابن جرير: إن قال لنا قائل: وهل يجوز أن يؤاخذ الله عز وجل عباده بما نسوا، أو أخطأوا، فيَسألوه أن لا يؤاخذهم بذلك؟.

قيل: إن النسيان على وجهين: أحدهما على وجه التضييع من العبد والتفريط، والآخر على وجه عجز الناسي عن حفظ ما استُحفظ، ووُكل به، وضَعُف عقله عن احتماله، فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط، فهو تركٌ منا لما أُمر بفعله، فذلك الذي يَرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به، وهو النسيان الذي عاقب الله عز وجل به آدم صلوات الله عليه،


(١) "تفسير الطبريّ" ٦/ ١٣٢.
(٢) حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه في "سننه" بإسناد صحيح، رقم (٢٠٣٥).