للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأخرجه من الجنة، فقال في ذلك: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)} [طه: ١١٥]، وهو النسيان الذي قال جل ثناؤه: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} [الأعراف: ٥١]، فرغبة العبد إلى الله عز وجل بقوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، فيما كان من نسيان منه لما أُمر بفعله على هذا الوجه الذي وصفنا، ما لم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطًا منه فيه وتضييعًا كفرًا بالله عز وجل، فإن ذلك إذا كان كفرًا بالله، فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة غير جائزة؛ لأن الله عز وجل قد أخبر عباده أنه لا يغفر لهم الشرك به، فمسألته فعل ما قد أعلمهم أنه لا يفعله خطأ، وإنما تكون مسألته المغفرة فيما كان من مثل نسيانه القرآن بعد حفظه، بتشاغله عنه، وعن قراءته، ومثل نسيانه صلاةً أو صيامًا باشتغاله عنهما بغيرهما حتى ضيعهما.

وأما الذي العبد مؤاخذ لعجز بنيته عن حفظه، وقلة احتمال عقله ما وُكِل بمراعاته فإن ذلك من العبد غير معصية، وهو به غير آثم، فذلك الذي لا وجه لمسألة العبد ربه أن يغفره له؛ لأنه مسألة منه، له أن يغفر له ما ليس له بذنب، وذلك مثل الأمر يغلب عليه، وهو حريص على تذكره وحفظه، كالرجل يَحْرِص على حفظ القرآن بِجِدٍّ منه، فيقرؤه، ثم ينساه بغير تشاغل منه بغيره عنه، ولكن بعجز بنيته عن حفظه، وقلة احتمال عقله ذِكْرَ ما أودع قلبه منه، وما أشبه ذلك من النسيان، فإن ذلك مما لا تجوز مسألة الرب مغفرته؛ لأنه لا ذنب للعبد فيه، فيغفر له باكتسابه.

وكذلك للخطأ وجهان: أحدهما: من وجه ما نُهي عنه العبد، فيأتيه بقصد منه وإرادة، فذلك خطأ منه، وهو به مأخوذ، يقال منه: خَطِئَ فلان، وأخطأ فيما أَتَى من الفعل، وأَثِمَ: إذا أتى ما يتأثم فيه وركبه، ومنه قول الشاعر:

النَّاسُ يَلْحَونَ الأَمِيرَ إَذَا هُمُ … خَطِئُوا الصَّوَابَ وَلَا يُلَامُ الْمُرْشَدُ

يعني: أخطأوا الصواب، وهذا الوجه الذي يَرغب العبد إلى ربه في صفح ما كان منه من إثم عنه، إلا ما كان من ذلك كفرًا.

والآخر منهما: ما كان عنه على وجه الجهل به، والظن منه بأن له فعله، كالذي يأكل في شهر رمضان ليلًا، وهو يحسب أن الفجر لم يطلع، أو يؤخر